(الكرامة) تقف على الأوضاع في جنوب كردفان
تقرير : رحمة عبد المنعم
ما زالت الأوضاع المعيشية والاقتصادية تزداد قسوة على سكان إقليم جبال النوبة جراء الحصار الخانق الذي تفرضه قوات الحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو على منع دخول المساعدات الإنسانية والغذائية،حيث لم يعد بإمكان سكان الإقليم توفير وجبات الطعام لأسرهم وأطفالهم، وبدأت المجاعة تظهر بشكل واضح يتجاوز مراحلها السابقة. وأظهرت مقاطع فيديو مواطنين يأكلون أوراق الشجر ليسدون به رمقهم
مأساة إنسانية
وتعيش ولاية جنوب كردفان مأساة إنسانية كبيرة خلفتها الحرب في السودان، ووضعت الآلاف بين مطرقة القتال والتعذيب وسندان المجاعة، ووفق أحدث تقرير أصدره الأمن الغذائي، يعاني 25.6 مليون سوداني من الجوع الشديد، بينهم 755 ألف شخص في مرحلة المجاعة، فيما يقترب نحو 8.5 ملايين شخص آخر من هذه المرحلة.
وفيما ذكرت آخر حصيلة صادرة عن مفوضية العون الإنساني في ولاية جنوب كردفان، أن حوالي 69 ألف نازح يقيم بعضهم في مراكز إيواء بمدينتي كادقلي والدلنج، يواجهون معاناة كبيرة إثر نقص الطعام ومياه الشرب النظيفة، إلى جانب تدهور الأوضاع الصحية بسبب شح الأدوية وتردي المستشفيات.
وتقاتل الحركة الشعبية، بقيادة عبد العزيز الحلو، الجيش في منطقتي جنوب كردفان، جبال النوبة منذ عام 2011، ما أدى إلى تعقيد الأوضاع الأمنية والإنسانية، وحدوث موجات نزوح أعداد كبيرة، وجاءت الحرب الحالية بين الجيش وقوات الدعم السريع لتفاقم الأوضاع الإنسانية أكثر في تلك الولاية.
وتداول نشطاء مؤخرا، وعلى نحو واسع، مقطعا مصورا، يظهر سيدة نازحة في مركز إيواء بمدينة الدلنج، وهي تجمع أوراق شجر توطئة لأكلها، بعد فشلها في الحصول على الطعام، وقال المواطن عبدالباسط منجة (35 عاما) الذي يقطن بمدينة «الدلنج حي التومات»، «إن المنطقة تشهد أزمة جوع حادة بسبب الاشتباكات المسلحة، ما دفع الناس إلى طبخ أوراق الأشجار».
وأضاف أن الحرب تسببت في إغلاق الممرات الإنسانية لتوصيل المساعدات الإنسانية، ما أدى إلى انعدام الغذاء في المنطقة»
وجبات السكان
وتقتصر معظم وجبات المواطنين في إقليم جبال النوبة، على تناول العصيدة ب “السخينة”، فمن النادر أن تحوي على خيارات أخرى. هذا ما قاله احمد كوكو في من سكان مدينة الدلنج حي الرديف .
ويقول أحمد “للكرامة بسبب الحرب وإيقاف صرف الرواتب منذ مايزيد عن العام وارتفاع الأسعار ومنع دخول المساعدات الإنسانية، فإن الكثيرين باتوا يعتمدون على وجبة واحدة وهي العصيدة ومعها مايعرف “السخينة ” وهي ماء ساخن مضاف إليه ملح وقليل من البهارات، وهناك من يطبخون اوارق الشجر،و المحظوظ منهم من يستطيع شراء البقوليات”.
ويخوض سكان اقليم جبال النوبة صراعًا يوميًّا لتأمين لقمة العيش، إذ بات الجوع هاجسًا يهدد الملايين في ظل استمرار الحرب منذ اكثر من عام، وانهيار العملة المحلية إلى أدنى مستوى لها في تاريخها، وغياب فرص العمل
ويعيش السكان في فقر مدقع نتيجة غياب فرص العمل،وقد ازدادت الاوضاع سوءا بسبب منع دخول المساعدات الإنسانية المقدمة من برامج المتحدة من قبل الحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو
ويقول المواطن الرشيد ادم من حي التومات بمدينة الدلنج : ” اتمنى ان يتم السماح بوصول الإغاثة الانسانية لمناطقنا لاننا نعيش اوضاعاً قاسية ،ونحن ضحايا الحروب ،وإن لم تصلنا المساعدات سنموت جوعا ً”
انهيار المفاوضات
وفي وقت سابق، انهارت المفاوضات بين الجيش السوداني والحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال بشأن الممرات الإنسانية، وعطلت إيصال المساعدات للمتضررين، التي كان يعول عليها الكثير من السودانيين لإيقاف المجاعة التي تهدد حياتهم.
وادى عدم الاتفاق حول فتح الممرات الإنسانية إلى تفاقم أزمة المجاعة التي اطلت برأسها وحاصرت المدنيين خاصة في المناطق الملتهبة التي تشهد عمليات عسكرية أو المحاصرة بواسطة القوات المتحاربة
وتبادل الطرفان الاتهامات بعرقلة وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين في مناطق الصراع بعد أكثر من عام على حرب 15 أبريل 2023م.
وقالت الحركة شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، إن الجيش كان يرغب من خلال المفاوضات الأخيرة في إيصال تعيينات عسكرية لفرقه المحاصرة في كردفان وليس إغاثة المدنيين.
وعقد الجيش والحركة الشعبية، قبل أشهر جولة مفاوضات بشأن إيصال المساعدات الإنسانية إلى مناطق في كردفان والنيل الأزرق، بيد أن الجولة انهارت وأعلنت الوساطة تعليقها لأجل غير مسمى
فيما حمل وفد الجيش ، الحركة الشعبية مسؤولية تعليق المفاوضات باصرارها على مشاركة قوات الدعم السريع في مفاوضات إيصال المساعدات.
واتهم الحركة الشعبية بالتماهي مع الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في حق الشعب السوداني، وأعرب عن الأسف لتعنت الحركة ورفضها التوقيع على وثيقة المساعدات الإنسانية، وانهيار جولة التفاوض الناتج عن عدم التزام وفد الحركة بموجهات لجنة الوساطة- حسب تعبيره.
شح الذرة
ويقول الكاتب الصحفي يوسف عبدالمنان ،أن الجوع أخذ يتفشي في أنحاء واسعة من إقليم جبال النوبة أو ولاية جنوب كردفان ،والجوع في تلك المنطقة لسببين نقص وشح الذرة، وغلاء الأسعار وعجز المواطنين عن شراء الذرة أن وجد، وقد بلغ سعر ملوة الفتريته البيضاء والحمراء ثمانية الف جنيه وهي من انواع الذرة الغنية جدا بالنشويات والسكريات وأيام الكيزان كانت تستخدم علفا للحيوان والطيور بينما ياكل الناس الدخن للعصيدة وطابت للكسرة والقمح للرغيف التي صارسعرها في الدلنج خمسة رغيفات بالف جنيه ورغم ذلك يصر أهل الدلنج على أن ياكلون أوراق الشجر ولايستسلمون لمليشيا الجنود التي تحاصر كردفان وتهدد سكانها بالجوع
ويضيف :تعتقد المليشيا أن سكان الإقليم كلابا إذا جاعوا يتبعون ال دقلو قسرا، وهكذا يفكر اللصوص والحرامية والهمباته، وهم يمسكون بعنق جبال النوبة من الشمال والحركة الشعبية ترفض فتح اللمعابر مع دولة جنوب السودان لياكل الناس من خشاس الأرض
ويتابع :تفاقمت الأوضاع بالجبال وبمحلية القوز التي تشهد أسعار الذرة فيها ارتفاعا جنونيا لبيلغ جوال الذرة مئتان الف جنيه وذلك فوق طاقة المواطنين ،إلا المرتبطين بالمليشا من اللصوص ومرتادي أسواق دقلو للمنهوبات وعصابات القتل التي تأتي من الجزيرة تمتطي العربات الفارهة والأموال المنهوبة
ويمضي قائلا ً:الجوع الذي تفشي في جبال النوبة خلال شهر يوليو يتوقع أن يتفاقم أكثر في أغسطس وسبتمبر من العام الجاري إذا لم تفلح جهود توصيل الإغاثة في الوصول لاتفاق إنساني يقضي بإيصال القوت للبطون الجوعي بعد أن نهب لصوص الدعم السريع كل احتياطي الذرة في مخازن البنك الزراعي في الأبيض ونهب مخازن برنامج الغذاء العالمي الذي دفن راسه في رماد حريق دقلو ولم يدين نهب احتياطي الذرةمن مخازنه بالأبيض وخلال يناير الماضي هاجمت قوات الدعم السريع منطقة هبيلا وقضت على إنتاج المزارعين ونجحت في تعطيل موسم الزراعة الحالي
المساعدات الإنسانية
ويرى استاذ كلية الزراعة بجامعة النيلين د،سعيد حبيب الله ،إن الحال الذي وصل إليه اهل جنوب كردفان اليوم هو يمكن أن يسمى الموت تحت إشراف الحكومة..فقد بلغ سعر ملوة الذرة الفتريتة عشرة آلاف جنيه، ، وكما هو معلوم فإن دخل المواطن الشهري لايتجاوز ( 0 )، و مرتبات العاملين في الدولة( 60%) لم يصرف منها إلا شهرين فقط منذ اندلاع الحرب 15 أبريل 2023م.
وأضاف :الاغرب من كل هذا أن هناك 55000 جوال من الذرة ظلت في المخازن في مدينة كوستي، ويحرسها متحرك الصياد( ود عشانا) و تاكل منها آفات المخازن من فئران و سوس و نمل ،وهذا الملف أو ملف المساعدات الإنسانية هو من الأكثر الملفات التي حدث فيها تقاطعات، منها الحقيقي و منها المصطنع
وتابع :فالحكومة تقول أنها لكي تضمن وصول المساعدات للمتضررين لازم تنزل الإغاثة في مناطق سيطرتها و يقوم بتوزيعها المدير التنفيذي للمحلية و لجانه المكونة لهذا الشأن،وحكومة الولاية تطلب من مفوضية العون الإنساني تسليمها الإغاثة في الأماكن التي تقع تحت سيطرتها، أو تسليمها المواد لتصبح في عهدتها ،المفوضية من جانبها ترى أن الترحيل يجب أن يتم بواسطتها عبر المرحل
وزاد :المرحل يقول إنه ملزم بترحيل المواد إلى العباسية تقلي و الدلنج فقط عبر اتفاقيات تتم مسبقا مع الادارات الأهلية و قوات الدعم السريع التي تربط الطريق، أهم شروط الإتفاق أن يتم تسليم نصيب محلية القوز بالدبيبات، هذا ما يحتاج لموافقة سلطان الولاية،و هناك مقترحات اخرى قد تكون أكثر واقعية تتمثل في موافقة حكومة الولاية على قبول شروط المرحل، يتم إنزال نصيب القوز بالدبيبات حاضرة المحلية و توزع تحت اشراف المدير التنفيذي ،وأن يقوم المرحل بإنزال نصيب محلية القوز في الأبيض و من ثم ترحل إلى القوز تحت إشراف السلطات الحكومية.