استسلام الميليشيا.. مؤشرات ومخاوف
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو
تتكرر خلال هذه الأيام عمليات إعلان مجموعات من ميليشيا الدعم السريع المتمردة، استسلامهم وتقديم أنفسهم ومعداتهم الحربية إلى القوات المسلحة في عدة مواقع في شندي، والجيلي، ومايرنو والفاشر، وغيرها من محاور القتال المختلفة، وتعكس هذه الخطوة بحسب مراقبين مؤشرات لانهيار ميليشيا الدعم السريع وفقدانها البوصلة بافتقاد قادتها الميدانية الذين قضوا تحت ضربات القوات المسلحة، الأمر الذي جعل من الميليشيا المتمردة ليست سوى عصابات تهاجم المدن والقرى على شاكلة ما حدث في السوكي والدندر، وسنجة، وتعيث فيها فساداً قتلاً واغتصاباً ونهباً وتدميراً للبنيات التحتية.
تدهور أوضاع:
وتدهورت الأوضاع داخل أروقة ميليشيا الدعم السريع منذ الغياب المريب والغريب لقائدها محمد حمدان دقلو ” حميدتي” وهروب نائبه وشقيقه الأكبر عبد الرحيم دقلو من ميادين القتال وطوافه بين العواصم والفنادق بحثاً عن “جوديات “وسط المحاور الإقليمية والدولية لإسكات صوت البنادق، وإيقاف نزيف قواته التي تساقطت كأعجاز نخل خاوية، وفقدت القدرة على القتال والرغبة في الاستمرارية خاصة مع انعدام المرتبات، وتلاحق الخسائر الميدانية، وفقدان التشوين في ظل تراخي يد الدعم والإسناد التي كانت ممدودة لها من قِبَل دوائر كانت تراهن على قدرة الميليشيا المتمردة في كسب المعركة خلال ساعات ينصّب بعدها حميدتي أميراً على مملكة آل دقلو السودانية، ويعود حمدوك ورهطه محمولين على أكفِّ الخيانة والعمالة والارتزاق لقيادة المكوِّن المدني وتشكيل حكومة مدنية طال انتظارها، لتكون المحصلة أن يتمخض الجبل ليلد فأراً.
جهود أهلية:
وتُدين عمليات الاستسلام المتلاحقة لميليشيا الدعم السريع المتمردة، بالفضل في بعض مراحلها، إلى التحركات المكوكية التي قامت بها ما يُعرف بالحواضن الاجتماعية من بعض القبائل والإثنيات المتمددة في كردفان ودارفور، كالحَمَر، والمسيرية والرزيقات، مِنْ مَنْ لم يدنِّسوا أنفسهم في وحل الميليشيا، حيث بذل عقلاء هذه الحواضن الاجتماعية من النُظار والعُمد والرموز والأعيان جهوداً متعاظمة من أجل حث أبنائهم على الانسحاب من أتون هذه الحرب، فنجحوا في إقناع بعض أبنائهم الوالغين في المستنقع الآثن لميليشيا الدعم السريع وردّهم إلى جادة الطريق، والاحتكام إلى صوت العقل، والإعراض عن هذا، والاستغفار والتوبة، فيما لا يزال البعض الآخر منهم تائهاً في غيه وضلاله القديم، مستمسكاً بعروة أوهام حميدتي ومستشاريه في محاربة دولة 1956م، والقضاء على الجلابة والكيزان وفلول النظام السابق.
خلاف وتناحر:
وتضرب بنية ميليشيا الدعم السريع المتمردة موجة عالية من الخلاف والتناحر الإثني بين منسوبي قبيلة المسيرية ومنسوبي قبيلة الرزيقات، بدأت نيرانها تتحرك من تحت رماد اتهامات متبادلة بين بعض القادة الميدانيين للميليشيا وبين مستشاريها السياسيين، بيد أن هذه الاتهامات سرعان ما تطورت وتحولت إلى مخاشنات لفظية شهد عليها الهواء الطلق عبر المقابلات التلفزيونية المباشرة، ومن على منصات التواصل الاجتماعي بين مستشار الدعم السريع عمران عبد الله حسن، والقائد الميداني المتمرد جلحة رحمة مهدي، الذي صعّد من لغة الخلاف ورفع من وتيرة التخوين مسنوداً في ذلك بعشيرته ومناصريه داخل الميليشيا المتمردة، ليعلن انسلاخه وعدم تبعيته لميليشيا الدعم السريع، ويذهب جلحة أبعد من ذلك عندما يصدر توجيهات وأوامر لمنسوبي قواته ( التدخل السريع) بالانسحاب الفوري من محور ولاية الجزيرة.
عوامل الاستسلام:
ومن هنا فإن الخلافات القبلية والإثنية تشكل واحداً من عوامل الانسلاخ والانسحاب من ميليشيا الدعم السريع المتمردة، ويضيف عليها الفريق حنفي عبد الله أفندي الباحث في الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية المدير العام لمركز السودان لمكافحة الإرهاب، عوامل أخرى تتعلق بالخسائر والهزائم، نتيجة تناقص العناصر المحترفة والمدربة داخل الميليشيا المتمردة، واعتمادها على المستنفرين بتدريب قصير خاصة في ولاية الخرطوم, مع افتقاد الاحترافية والدافعية للقتال حيث نضبت موارد نهب وسلب الأموال بعد أن رحل بها الأولون من مرتزقة عرب الشتات، ثم ذهاب السكرة بعد انكشاف خديعة أهداف اندلاع الحرب والتي تلقفها المقاتلون بجهل مطبق بعد أن تمت تغطيتها في بدايات الحرب عبر إغراءات الغنائم، وزيادة الدافعية الذهنية بتعاطي المخدرات، ولاحقاً تم تقييدهم أثناء القتال لمنع هروبهم، وقد ثبت ذلك في حالات كثيرة وجدت القوات المسلحة قتلى مقيدين مع مقود العربات القتالية والمدافع الثنائيات، ويوضح الفريق حنفي حديثه للكرامة أن استخبارات الميليشيا المتمردة أوقفت عدداً من الجنود الهاربين، لتتم محاكمتهم، أو تصفيتهم.
انطفاء رغبة:
ويقول الخبير الأمني والاستراتيجي الفريق شرطة جلال تاور، إن عمليات الاستسلام التي تقع وسط ميليشيا الدعم السريع المتمردة أمرٌ متعارف عليه في الحروب وهي خطوة تعكس انطفاء جذوة الرغبة في القتال لدى منسوبي ميليشيا الدعم السريع وتؤكد في الوقت نفسه سوء الأوضاع داخل منظومة الميليشيا، وأبان الفريق جلال تاور في حديثه للكرامة أنه كلما زادت عملية الاستسلام كلما ضعفت إرادة من يقودون المعركة حتى يصلوا في نهاية الأمر إلى مرحلة الضعف والانكسار الكامل والتي تعني الاستسلام الكامل لكل القوة المتبقية، وهو مؤشر إيجابي لسير المعارك لصالح القوات المسلحة وامتلاكها زمام المبادرة في كافة جبهات القتال ولحسن إدارة الجيش للمعركة والوصول بها إلى غاياتها ونهاياتها.
معاملة وحذر:
ويشدد الخبير الأمني والاستراتيجي الفريق شرطة جلال تاور على ضرورة تعزيز المؤشر الإيجابي لعملية استسلام بعض منسوبي الميليشيا المتمردة، من خلال المعاملة الكريم واللائقة وفقاً لاتفاقية جنيف لمعاملة الأسرى بإعمال متطلبات التطبيب والعلاج، والأمن من خوف والإطعام من جوع، ويؤمن الفريق تاور على أهمية رفع ثيرمومتر الحذر في التعامل معهم وتفويت أي فرصة لاحتمالية أن يكون الاستسلام مشروعاً لإدخال عناصر وخلايا نائمة في المدن الأمنة، كما طالب بضرورة التفريق بين العناصر المستسلمة بعد استلام معداتهم وعتادهم الحربي، مع أهمية استقاء المعلومات الضرورية المتعلقة بحالة الميليشيا ووضعها الميداني واللوجيستي، ودراستها وتحليلها والاستفادة منها في توجيه الضربات وتحقيق الانتصارات.
توثيق الاستسلام:
ويدعو الفريق حنفي عبد الله أفندي الباحث في الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية إلى أهمية توثيق عمليات استسلام ميليشيا الدعم السريع المتمردة، وعودتها إلى حضن القوات المسلحة بصورة كثيفة واحترافية، مع ضرورة إثارة الزخم والتوظيف الإعلامي الكثيف من خلال أجهزة الإعلام الرسمي بإجراء مقابلات مع نماذج من الذين استسلموا والمعاملة التي وجدوها من قبل القوات المسلحة، وذلك من أجل حث زملائهم على الاقتداء بهم, بدلاً من الاستمرار في الانزلاق خلف مشروع آل دقلو الخاسر، وتوجيههم لخدمة مشروع الوطن الواحد ومساندة الجيش في حرب الكرامة ضد هذا المشروع التخريبي، منوهاً إلى أن مثل هذه الخطوات ستساهم في المزيد من عمليات الخلخلة والانشقاقات داخل صفوف الميليشيا الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف الروح المعنوية.