المحميات الطبيعية.. الحيوانات لم تسلم من الجنجويد

تقرير :رحمة عبدالمنعم

يتميز السودان بأراض واسعة ذات طبيعة خلابة ، تتميز بتنوعها الحيوي النباتي والحيواني تعرف بالمحميات الطبيعية، هي مناطق جغرافية محددة المساحة، تُخصص للمحافظة على الموارد البيئية المتجددة، تحت إشراف هيئات معنية، مهمتها حماية هذه المحميات من التعديات البشرية.

وتهدد الحرب القائمة في البلاد، بعض هذه المحميات الطبيعية، بالتوازي مع انحسار دور الهيئات المسؤولة عن حماية هذه المحميات،وسط مخاوف من هجرة حيوانات نادرة إلى الخارج وانقراض اخرى.

تهديد المحميات

ورصدت غرفة طوارئ  منطقة الدندر اقتحام عدد من المليشيا ودخولها قرية أم بقرة حيث حاولوا الدخول إلى حظيرة الدندر، قبل ان تتصدى لهم شرطة حماية الحياة البرية وتشتبك معهم وتمنعهم الدخول والتوغل داخل الحظيرة، علماً بأن شرطة حماية الحياة البرية ليس لديها العتاد العسكري الكافي لحماية دخولهم وتوغلهم ، اذا حاولوا الدخول في مرات قادمة ما لم يتم ردعهم وإيقاف هذا العبث بالإنسان والحيوان في محلية الدندر.

وخلال الأشهر الأولى من الحرب تعرضت مجموعة من الحيوانات في مركز الخرطوم للحياة البرية بمنطقة سوبا شرق ولاية الخرطوم، وبينها عدد من الأسود، إلى إصابات بليغة بسبب المعارك هناك، مما استدعى تدخلاً عاجلاً لإنقاذها وإجلائها إلى مناطق أخرى.

وألحقت أعمال القتال في وقت سابق أضراراً بمحمية جبل الداير في ولاية شمال كردفان، وهي متاخمة إلى إقليم جبال النوبة المضطرب، مما قاد إلى تشريد العديد من الحيوانات، وما تزال هذه المحمية تواجه مخاطر كبيرة، ففي أبريل الماضي أطلق ناشطون من المنطقة نداء عبر المنصات الرقمية، قالوا خلاله إن مليشيا الدعم السريع تحاصر المنطقة من جميع الاتجاهات، وتمنع الغذاء عن السكان الذين لم يجدوا غير سفوح الجبال للاحتماء بها، كما تفككت حديقة الحيوان للحياة البرية التي تأسست عام 2021 بمبادرة من مدير حديقة السودان للحياة البرية، عثمان صالح، وعدد من المهتمين في منطقة الباقير جنوبي الخرطوم، لإنقاذ حيوانات نادرة كان يحاصرها الجوع في حظائر في العاصمة، وتم نقل بعض الحيوانات مثل الأسود إلى خارج البلاد، وجرى توزيع أخريات على ولايات السودان الآمنة.

ويرى مراقبون أن صوات الرصاص والمدافع ستؤدي إلى تغيير في سلوك الحيوانات، وتدفعها لمغادرة مناطقها الطبيعية، إلى أماكن آمنة، كما ستدمر الحرب البنية التحتية، وكل ما هو مخصص لحماية الحياة البرية والسياحة، لذلك يجب لفت الانتباه تجاه هذه المخاطر، والعمل على حماية هذا المورد الهام وحفظه للأجيال القادمة.

محمية الدندر

وتعد حظيرة الدندر أحد أكبر المحميات الطبيعية في أفريقيا، أنشأت في العام 1935م، وهي تمتد على مساحة 10 آلاف كيلومتر في الجزء الجنوبي الشرقي من السودان على الحدود مع إثيوبيا، ويحيط بها نهرا الدندر والرهد، بجانب العديد من الممرات والبرك المائية، وتمثل موردا سياحيا كبيرا للبلاد.

وبحسب شبكة “عاين ” تعد محمية الدندر واحدة من عشر محميات عالمية مصنفة من محميات المحيط الحيوي، لاحتوائها على ثلاثة نظم بيئية، وعلى أندر سلالات الحيوانات والطيور، وهي غنية بغابات كثيفة.

ووصل الصراع المسلح بين الجيش ومليشيات  الدعم السريع إلى مدينة الدندر شرق سنار، ورغم أن هذه المنطقة تبعد عن عمق محمية الدندر الطبيعية، بمسافة يستغرق قطعها نحو 7 ساعات، إلا أن المخاوف حاضرة من تمدد أعمال القتال إلى هناك، خاصة في ظل الرغبة الملحوظة لقوات الدعم السريع في فتح خطوط إمداد عبر الحدود الشرقية.

وتضم مدينة الدندر المطلة على نهر الدندر حديقة كبرى بها حيوانات نادرة كانت تتخذ مزارا من السياح للتعرف على محتويات المحمية الطبيعية، وشهدت هذه المنطقة عمليات قتال ضارية بين الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه، وقوات الدعم السريع خلال الأسبوع الماضي في محاولة كل طرف للسيطرة على المنطقة الاستراتيجية التي تضم جسرا للعبور شرقاً، مما أدى إلى مغادرة جماعية للسكان، ولم يعرف مصير الحيوانات بحديقة المدينة.

وفي ليلة من الأسبوع الماضي تعالت أصوات الرصاص، وظن البعض تجدد المعارك في مدينة الدندر، لكن ناشطين ذكروا أن ضرب النار كان نتيجة محاولات مسلحين من قوات الدعم السريع اصطياد غزالة، .

 

وضع سييء

منذ بداية الحرب يكافح المتطوعون للحفاظ على الحياة الفطرية في السودان ، لا سيما بعد تكاثر الصيد العشوائي للحيوانات البرية فيها، وهم  يتابع عن كثب أي أعمال تخلّ بالحياة الفطرية.

وفي حديث خاص لـ الكرامة ، يؤكد الناشط البيئ مدثر عبدالحي، أن الوضع البيئي بالنسبة للحيوانات المهددة بالانقراض “سيء للغاية”، ومن ضمنها النمور والأسود، العزلان والسلاحف البحرية، وغيرها من الحيوانات.

ويضيف أن هناك أعمال قتل وصيد وتهريب لهذه الحيوانات؛ والسبب يعود إلى الوضع الراهن الذي يشهده السودان  وكذا تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وزيادة الفقر في المجتمعات المحلية، مشيراً إلى أن الإحصائية التقديرية لعدد الحيوانات المهددة بالانقراض، غير متوفرة.

ويضيف أن تأثيرات الحرب اثرت علي جميع حدائق الحيوانات في السودان ، وأدت إلى نفوق بعض ما تمتلكه هذه الحدائق، جوعاً أو مرضاً أو غيرها من الأسباب، بما فيها انقطاع الأدوية البيطرية للحيوانات، بسبب الحرب ويتابع “أصبحنا نعطي الحيوانات التي تمرض أدوية بشرية لعلاجها والتخفيف عن مرضها”. ”

ووفقاً لمدثر  فإن ولاية سنار  لديها ثروة فطرية لا تقدر بثمن، وهي محمية الدندر التي تتميز بالحياة البرية الجميلة بوجود عدد من الحيوانات المهددة بالانقراض في توازن بيئي رائع، ولهذا الوجود امتداده وجذوره التاريخية،  وبذلك نستطيع أن نقول إن حياة الدندر البرية جزء أصيل من هويتها،لذلك لأبد من منع مليشيات الدعم السريع وحسمها من الدخول محمية الدندر

 

تعديات مستمرة

كان ولا يزال للحرب المندلعة في السودان  تأثير على المحميات الطبيعية. ويختلف هذا التأثير باختلاف ظروف كل محمية على حدة. ووفقًا للصحفي المتخصص في البيئة ابوبكر سليمان، فإن استخدام أطراف الصراع لمختلف أنواع الأسلحة، يُعد من أبرز الأسباب المؤدية لتلوث البيئة في تلك المحميات، وفي مختلف المناطق السودانية بشكل عام. كما أن بعض مناطق المحميات الطبيعية

ويلفت سليمان في حديثه “للكرامة “، في حديثه إلى عدم وجود إحصائيات محايدة حول الأضرار التي لحقت بالمحميات الطبيعية في السودان  جراء الحرب، لكن “الماثل للعيان هو أن الحرب ساهمت في القضاء على العديد من الحيوانات، بشكل مباشر أو غير مباشر، بالإضافة إلى التعديات المستمرة على البيئة النباتية”، يقول ، متسائلًا باستنكار: “ما ذنب النباتات والحيوانات؟”

ويقول  الصحفي البيئي ان الاشتباكات العنيفة واصوات المدافع ادت  إلى تلوث أجواء محميات الأراضي الرطبة، ما دفع مئات الطيور إلى الهروب منها.وفي بعض المحميات، زادت معدلات التعدي على الأشجار، لاستخدام أخشابها وقودًا، في ظل أزمات النقص المتكرر للمشتقات النفطية،

 

برتوكول جنيف

من جهة أخرى، تعرقل معارك الحرب عمل الجهات المعنية بالمحميات الطبيعة ،وعن ذلك ،قال عوض حسين،موظف حكومي :لدينا في الهيئة تقارير توضح حجم الانتهاكات التي طالت المحميات الطبيعية في السودان . لكننا لا نستطيع أن نوقف تلك الانتهاكات”، مضيفًا: “المحميات اليوم تعاني من عدم وجود إدارة للبنية التحتية، وبالتالي لا يوجد أي دعم من قبل المنظمات الدولية المعنية بالحفاظ على البيئة”.

ويستطرد حسين : “كنا قبيل الحرب نتطلع لأن نصل إلى مرحلة توسع المحميات الطبيعية في السودان، وكنا نطمح إلى تنفيذ مشاريع متعددة. لكن لم نستطع أن نواكب هذه الخطط، نتيجة توقفنا عن إجراء الدراسات في المواقع المختارة للمحميات الطبيعية بسبب الحرب ”.

يُذكر أن بروتوكول جنيف الإضافي لعام 1977، تضمن قاعدة أساسية لحماية البيئة الطبيعية، تحظر استخدام وسائل وأساليب قتالية يقصد بها إلحاق أضرار بالغة وواسعة الانتشار وطويلة الأمد بالبيئة الطبيعية.