المؤتمر الوطني.. جدل الحظر والمشاركة
تقرير :رحمة عبدالمنعم
ثمة سؤال يبدو للبعض مُملا ومكرورا لأنه سبق أن طُرح خلال السنوات السابقة ، هل يعود الإسلاميون إلى الواجهة بعد سنوات من الإقصاء عقب الإطاحة بنظام حكمهم في ابريل من العام 2019م بإنتفاضة شعبية؟،وهناك مؤشرات تُوحي بأن الموسم السياسي قد يحمل في طياته تعديدلات في مكونات المشهد القادم ،خصوصاً بعد أن تقدم حزب المؤتمر الوطني الصفوف الأمامية للقتال بجانب الجيش في معركة الكرامة ضد ميليشيات الدعم السريع ،وفي الأيام الماضية احتدم الجدل بشأن عودة الحزب المحظور للمشاركة في العملية السياسية القادمة ،وذلك كان الحدث الأكبر في بيان المؤتمر التحضيري للحوار السوداني _السوداني بالعاصمة الإثيوبية
مشاركة الوطني
ومسألة عودة حزب المؤتمر الوطني الى الواجهة شدت الأهتمام وجعلت الكثيرين يتساءلون عما يمكن أن تحمله الأشهر القادمة من تغييرات في المشهد السياسي السوداني ،ويبدو ان معضلة حزب المؤتمر الوطني بالمشاركة في العملية السياسية لتجد طريقها نحو الحل بعد سنوت من الإقصاء ،هذا ما يُوحى به الجدل الدائر منذ أيام
لقد شهدت الأيام الماضية تعدد البيانات والمقالات ،التي يلتقي أصحابها حول الإعتقاد بأن هذا الملف قد طال أكثر من اللازم ،وأن المصلحة الوطنية تفرض أن تلتقي جميع القوى السياسية في حوار سوداني _سوداني شامل لايتستثني حزباً ، وذلك بعيداً عن منطق الإقصاء المتمثل في مقولة “عدا حزب المؤتمر الوطني”
فالقوى السياسية المشاركة في المؤتمر التحضيري للحوار السوداني باديس ابابا ، لم تستطع حظر حزب المؤتمر الوطني من العملية السياسية القادمة،وقد كشفت المصادر أن مداولات ساخنة استمرت خمسة أيام بين المشاركين في المؤتمر التحضيري للحوار السوداني-السوداني حول مشاركة حزب المؤتمر الوطني المحظور في هذه العملية السياسية.
وبحسب موقع “سودان تربيون” أن المؤتمر كلف لجنة لمناقشة مشاركة حزب المؤتمر الوطني المحلول في العملية السياسية بعد وقف الحرب، ، وبعد نقاش مستفيض، توصل البيان الختامي للمؤتمر في فقرته الرابعة ، بأن يكون الحوار السوداني-السوداني شاملاً ومفتوحاً للجميع من حيث المبدأ، باستثناء من صدرت ضدهم أحكام أو وُجهت إليهم تهم بارتكاب جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية، أو جرائم إبادة جماعية، أو صدرت بحقهم أحكام وفقاً للوثيقة الدستورية لعام 2019.
ويرى مراقبون سياسيون ان ما جاء في الفقرة الرابعة من بيان مؤتمر القوى السياسية بالعاصمة الاثيوبية اديس ابابا ،الخاصة بأطراف الحوار والتي نصت على ان يكون شاملاً لايستثني إلا صدرت بحقه أحكام بموجب القانون أو بموجب الوثيقة الدستورية ، مقصود بها حزب المؤتمر الوطني الذي تم حظره “بموجب الوثيقة الدستورية “،وأكدوا ان هذا الحظر بلا قيمة قانونية ولا يستطيع الصمود امام اي قضاء مستقل ،ومن المنتظر ان يستانف الحزب نشاطه بعد وقف الحرب..وفق قولهم
بيان الحزب
وكان حزب المؤتمر الوطني قد أصدر بياناً شديد اللهجة حول مارشح من أخبار عن حظره من العملية السياسية المستقبلية ،جاء فيه :لقد ظل المؤتمر الوطني ومنذ تأسيسه يجسد الوطنية السودانية العتيقةِ إسماً ومعنىً ، والأصالة والمعاصرة قيماً وهديا،فهو الركن الركين والعنصر المحوري في أي عملية او تحول سياسي يطرأ على الداخل السوداني والقرن الافريقي ككل
وأضاف البيان :إن ريادة وقيادة المؤتمر الوطني السباقة في المحافل السياسية والمؤتمرات ومنابر التفاوض والحوارات السياسية والاتفاقيات قد خبرها القاصي والداني ، واعترف بها العدو قبل الصديق ،فإننا نؤكد أن المؤتمر الوطني لايستمد شرعيته من أي جهة سياسية أخرى، ولاتستطيع أي جهة مهما بلغت مكانتها أن تُحدد له مكانته في الفعل السياسي، ولا ينتظر أحزاباً متواضعة لاتملك سند جماهيريا، ولاوزناً سياسياً أن تمُن عليه بالمشاركة السياسية
وتابع :فمؤسسات الحزب هي التي تمتلك الحق في تحديد المشاركة من عدمها.
وليعلموا أن المؤتمرالوطني قد حدد سلفاً موقفه المبدئي من هذا النوع من المنابر والتي تنعقد خارج السودان تحت الرعاية والوصاية الخارجية، وانه لايمكن حل الأزمة السودانية وبناء وتأسيس وفاق وطني شامل وجامع الا بالحوار السوداني السوداني والتحرر من الاجندة والوصايا الخارجية.
وزاد: إن الحديث عن المشاركة في العملية السياسية بعد الحرب هو قفز على أمهات القضايا الكبرى والمهمة، وحديث سابق لأوانه ، بل يؤكد بجلاء ضيق أفق هذه القوى السياسية وعدم فهمها وإستيعابها لطبيعة التحدي والأزمة التي تمر بها بلادنا ،وأشار إلى أن مثل هذه التصريحات الرعناء لاتتسق مع حاجة البلاد الماسة الى توافق وتعاضد أبناءها لاتنال من عزيمتنا السياسية ولاتؤثر على موقفنا المبدئي المتمثل في حسم المعركة وهزيمة التمرد وقطع الطريق أمام الاطماع الخارجية في البلاد.
الوثيقة والقانون
وفي تعليق له على ما انتهت إليه اجتماعات الأيام الخمسة للقوى السياسية في أديس أبابا،يقول المحلل السياسي السفير العبيد مروح ، أنها سجلت اعترافاً عملياً من الإتحاد الأفريقي و “الشركاء” بأهمية إشراك القوى السياسية الوطنية التي طالما سعى فولكر وجماعة المجلس المركزي لعزلها، وظلت أغلب هذه القوى تائهة وتدور في حلقة داخلية بينما تستفرد “تقدم” بالمسرح الخارجي مع ادعاء عريض أنها تمثل القوى المدنية..
ويضيف :صحيح أن مؤتمر القاهرة هو من مهد لذلك، من الناحية العملية، لكن الصحيح أيضاً أن لجنة الإتحاد الأفريقي رفيعة المستوى بقيادة بن شمباس هي من سعت في ذلك ومهدت له وهذا في حد ذاته إنجاز كبير،و أنها كسرت حاجز الجمود في ملف الحوار السوداني السوداني، فقد انطلق قطاره الآن ولن يتوقف .. ربما يستغرق وقتاً ولا يصل في وقت قريب، وليس هناك من عجلة على وصوله إلى محطته النهائية قبل عام أو حتى عامين
ويتابع : أن القوى السياسية أوصت بتشكيل حكومة غير حزبية، لإدارة الفترة الحالية وما بعد الحرب، وهو أمر بالغ الأهمية، وأرجح أن تتلقفه قيادة الدولة، في حين تتفرغ القوى السياسية لحواراتها ولها أن تجوب عواصم العالم كلها لأجل ذلك
أما الحديث عن حظر المؤتمر الوطني فيرى المروح ، أنه تقديره بلا قيمة قانونية ولا قيمة عملية، فالوثيقة المسماة دستورية لم تحظر الحزب وإنما حظره قانون معيب بُني عليها، وكلاهما – الوثيقة والقانون – تمّ “بلهما” بواسطة هذه القوى نفسها، فضلاً عن أنهما لا يستطيعان الصمود أمام أي قضاء مستقل من المنتظر أن يستأنف نشاطه بعد وقف الحرب
ويمضي قائلاً :,ولو كان لأحد أن يخاف من حظر بالقانون سيأتي فهو في تقديري مجموعة المجلس المركزي في قوى الحرية والتغيير ووليدها الشرعي “تقدم” وبالطبع مليشيا الدعم السريع التي تم حلها، فليس هناك من جرم أرتكب في السودان وأهله بأكبر مما فعل هؤلاء.
الآليه الأفريقية
وفي وقت سابق ،عقدت الآلية الأفريقية رفيعة المستوى بشأن السودان لقاءا نادرا بالقاهرة ، مع ممثلين لحزب المؤتمر الوطني ضمن لقاءات تعقدها الآلية مع أطراف وقوى سياسية سودانية لوقف الحرب،وقد تم اللقاء في فندق شيراتون بالعاصمة المصرية اعقب اجتماع مماثل عقدته الآلية الأفريقية رفيعة المستوى مع ممثلين لقوى الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية.
وناقش لقاء الآلية الأفريقية مع وفد حزب المؤتمر الوطني الذي ضم القياديين بالحزب أميرة الفاضل وأسامة فيصل، الأزمة السودانية وكيفية انهاء الحرب الدائرة بين الجيش السوداني ومليشيات الدعم السريع منذ أبريل من العام الماضي، وضرورة إجراء حوار سوداني شامل لايستثني أحد.
وأكد وفد المؤتمر الوطني للألية موقف الحزب الثابت من دعم القوات المسلحة السودانية والاجهزة النظامية الاخري والمقاومة الشعبية ،اضافة الي دعم كافة المؤسسات الوطنية للدولة ،كما أكد الوفد اهمية الوصول الي سلام شامل وعادل لينعم السودانيين بالامن والطمأنينة والاستقرار.
واعلن المؤتمر الوطني في اللقاء تمسكه بمبدأ الحوار وحرصة علي وحدة الصف الداخلي للبلاد، وضرورة فتح صفحة جديده يسمو فيها الجميع فوق الجراح، لضمان استشراف البلاد لمستقبل جديد وزاهر بعد انهاء الحرب، والوصول الي سلام دائم.
المشهد المستقبلي
وقال الصحفي محمد يوسف في حديثه “للكرامة” ،أن الحركة الإسلامية تضرب في جذور المجتمع السوداني منذ أمد بعيد ،حتى من قبل حكم عمر البشير بعقود طويلة ،وتشير التقديرات إلى ان عدد اعضاء الحركة الإسلامية في السودان مليوني شخص ، وهم جزء أصيل من مكونات الشعب السوداني ،يصعب تنحيته وازالته من المشهد المستقبلي بصورة كليه ،وفق قوله .
وأشار إلى ان السودان عانى كثيرًا من محاولات إقصاء الإسلاميين ومنعهم من الحياة العامة، ولم يحصد إلا القليل من الفشل والفساد والعمالة للخارج ، وهذا بالإضافة إلى الحرب، وإن استحقاق المشاركة الإسلامية في الحكم سيأتي بأعداد هائلة من التحديات والعقبات في داخل الصف الإسلامي وفي علاقة إسلامية غيرهم من التيارات والقوى المحلية والدولية، غير أن هذه الديناميكية وذلك التدافع هو ما سيضمن إنضاج التحول الديمقراطي السوداني عقب وقف الحرب، وسيعبر إلى إجماع سياسي يصل إلى نقطة توازن مفقودة في السودان منذ سنوات
وأضاف أن حزب المؤتمر الوطني التابع للحركة الإسلامية لا زال لديه حضور جماهيري, وقيادات محنكة وخبيرة ،فالأحزاب الأيديولوجية قادرة على استعادة ترتيب صفوفها بشكل أسرع, والحفاظ على عناصرها من الذوبان في حالة الانصهار المفاجئ ،وأن على الإسلاميين في سبيل تحقيق عبور نحو ذلك المستقبل المنشود أن لا يعيشوا حالة من الثقة الزائدة بالنفس بعد أن اعادتهم معركة الكرامة للواجهة، وأن يمدوا أيديهم لكل القوى والقدرات السياسية مهما كان رصيدها ودرجة التشاكس معها، وأن يحرصوا على الشراكات والتحالفات السياسية الحقيقية معها حتى وإن اقتنع الأمر بتقديم تنازلات كبيرة، مشيراً إلى إلى العملية السياسية القادمة هي التي ستحدد مسار المستقبل السوداني لعقود قادمة، ولا يقوى على رسم ملامحها تيار منفرد، ولا حركة واحدة بعينها،بل تتطلب مصالحة وطنية شاملة للقوى السياسية السودانية لاتستثني أحداً ،حسب تعبيره.