سُلطة المجتمع..!
“دواؤك فيك وما تبصرُ، وداؤك منك وما تشعرُ، وتحسب أنك. جرمٌ صغيرٌ، وفيك انطوى العالم الأكبرُ”.. علي بن أبي طالب..!
بعد أن أقسمتْ بالله على أنها تقول الحق، كتبت إحداهن في إحدى مجموعات الفيس بوك عن حكاية زوجة خالها الذي وقع في أسر المليشيا في أول أسابيع هذه الحرب، ثم أبلغوهم بمقتله وتم إعلان وفاته رسمياً. وبعد مرور شهور العدة تزوجت أرملته من شقيقه، وهي الآن حامل. طيب أين المشكلة.. ؟
المشكلة هي أنهم قد اكتشفوا أن خالها الذي وقع في أسر المليشيا حيٌ يرزق، وبذلك تكون زوجته الآن على ذمة رجلين شقيقين. وعندما تضع حملها سيكون ابنها ابن عم لأشقائه الذين يكون والده هو عمهم، بينما يكون عمه هو والدهم..!
وهذه تشبه ظروف حكاية الرضية التي تسببت وفاة زوجها بتمكين الظروف الموضوعية والاعتبارات العائلية من فرض سَطوتها بشأن تقرير مصيرها من جديد، بعد أن اجتمع كبار العائلة وقرّروا تزويجها من شقيقه الأصغر، لتجنيب الأبناء مرارة الاحتمالات التي فرضها عليهم موت أبيهم..!
فإمّا أن يعيشوا مع أمّهم الأرملة بلا عائلٍ رسمي أو سندٍ مُباشرٍ، وإمّا أن يرضَخوا لواقع زوج الأم بكل ما تحمله الفكرة من سيناريوهاتٍ قاسية. وكانت الرضية قد واجهت في الماضي مصاعب جمَّة في حياتها مع زوجها المرحوم، وقامت بعدة مُحاولات يائسة للحُصُول على الطلاق، باءت جميعها بالفشل..!
والسبب كان تغليب مصلحة الأبناء الذين كانوا سيُواجهون احتمالاتٍ صَعبة، أولها وأولاها أن يفارقوا حضن أمّهم إلى واقع تحكمه زوجة أب، وليس آخرها أن يفقدوا حضن أبيهم إلى سقف يحكمه زوج أم، أو وحشة الفقر والحاجة بمعيَّة أمٍّ، يتنزَّل عقاب أبيهم عليها في صورة شُحٍ مادي وجفافٍ عاطفي..!
ثُمّ ها هي تعود اليوم لتُواجه ذات المعضلة “المصلحة العليا للأبناء” ، فإمّا المُوافقة على فكرة تأباها نفسها لاعتبارات كثيرة، وإمّا مُواجهة الاحتمالات المذكورة آنفاً..!
إنها امرأة تعيش في ذات الدائرة الاجتماعية التي تُحافظ على سلامها وتماسُكها بتَبنِّي أكثر الحلول التوافقية التي ينتجها رأي الأغلبية. وهي امرأةٌ تنتمي إلى ذات الوجدان العام الذي يُغَلِّبُ الرَّحمة بالجماعة على مراعاة الأفراد، ويُؤمن بأولوية لمصالح الكُليَّة في مُواجهة الاعتبارات الفردية..!
ولأنّ الحال كان كذلك، رَضيَتْ “الرضيَّة” بشقيق الزوج السابق، في سبيل “المصلحة العليا للأبناء”، فبارك الله لها، وبارك في أولادها..!
حكاية السيدة زوجة الشقيقين وحكاية الرضية وغيرهما هي وجوه لفلسفة عقلنا الجمعي في مواجهة إشكالات الحياة التي تزداد تعقيداً كل يوم، في مُجتمعٍ نشأت فيه الدولة قبل نشوء الأمة..!
وقد ظلَّت تحديات الخُصُوصية البيئية والإثنية والثقافية – فيه – على حالها، عَصيَّة على معظم المُتغيِّرات التي يشهدها العالم من حولها، مُنحازةً إلى منطقها الخاص في الاختلاف عن العام، ومُستعصمةً بحقها الخاص في تقييم خلافاتها الداخلية واجتراح ما يُناسبها من الحلول المَحليَّة..!
المُفاوضات، الخلافات، التقاطُعات، المُماطلات، المُماحكات، المخاوف والحيرة، الريبة، الاحتجاجات، ومن ثَمّ الدخول في نار الحروب الأهلية، كلها أوجه للشبه بين ملامح المَآزق الاجتماعية والمَزالق السياسية في هذا السودان..!
المجتمع المحلي الذي فَرَضَ كلمته في شأن تقرير مصير السيدة زوجة الشقيقين، وفي شأن مصير الرضيَّة، هو وحده الذي سوف يَفْرِضُ كلمته في شأن توقيت وطريقة إنهاء هذه الحرب!.
munaabuzaid2@gmail.com