التهريب الى مصر.. رحلة الموت
الكرامة: هبة محمود
لم تزل روايات وقصص التهريب، توالي مآسيها مع صباح أو مساء كل يوم جديد. فما بين رحى الحرب في مناطق القتال بالسودان، وغلاء الأسعار في الولايات الآمنة، يسعى الكثيرون، للبحث عن ” أطواق للنجاة ” بعد أن ضاق بهم متسع الوطن المكلوم، وتعذرت الطرق الرسمية في الحصول على تأشيرات للدخول لمصر.
فعلى رائحة “الموت” يعيش الآلاف من السودانيين الفارين من جحيم المعارك، يوميا، من شتى بقاع مناطق انطلاقهم، وهم يقصدون الحدود السودانية المصرية، فمنهم من يصل ومنهم من يقضي نحبه، دون اكتراث لدعوات التحذير” بأن عودوا من حيث أتيتم”.
ومع استمرار الحرب لاكثر من نحو عام تتقلص مساحات الأمل لدى العديد من الصابرين، قبل أن ييمموا وجوههم باتجاه الشمال، بحثا عن الأمان، غير ان حالات الموت تزداد بشكل كبير، سيما مؤخرا بسبب العطش وضربات الشمس والهبوط في السكر.
دعوات
تفاصيل مأساوية يعيشها سالكو طرق التهريب، يوميا رغم دعوات التحذير من خطورة الخطوة.
وعلى الرغم من التدوال الإعلامي الكبير، لقصص التهريب ومأساويتها، ونداءات التحذير التي اطلقتها القنصلية السودانية باسوان، الا ان الوضع يظل على حاله، مع ارتفاع اعداد الموتى، التي اثارت حفيظة الجميع.
ودعا متابعون السلطات السودانية، بضرورة إيجاد حل وذلك بالتنسيق مع السلطات المصرية لمكافحة التهريب حفاظا على الأرواح.
وفي ظل غياب احصائية دقيقة لأعداد اللاجئين السودانيين في مصر، نجد انه ووفقا للمفوضية حتى 31 ديسمبر 2023، فان عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية وصل حوالي 207.833 ألف.
وخلال الستة اشهر التي تلت اخر احصائية نجد انه ومن خلال متابعات الكرامة فان الآلاف من السودانيين، عبرو الحدود المصرية باعداد كبيرة.
رحلة موت
وبحسب نهى عبد الله _اسم مستعار _ فإنه خلال رحلتها عبر التهريب لمصر، قد عبرت معهم ما يقارب نحو 40 عربة بوكس محملة بالأطفال والعجزة وكبار السن إلى داخل الحدود المصرية في الشهر الماضي.
مؤكدة خلال حديثها ل “الكرامة” ان اعداد المركبات التي تركوها خلفهم داخل منطقة التخزينة، والتي تتاهب بدورها العبور الحدود، تقارب المركبات التي عبرت الأراضي المصرية.
وفيما تصف “نهى” الرحلة برحلة الموت، الا انها تؤكد انه لا فرار من خوض الرحلة في ظل الأوضاع التي يعيشها السودانيون في بلادهم من حرب واقتتال، وغلاء في الأسعار جعلتهم يبحثون عن وضع افضل حتى حين.
تفاصيل دامية روتها للكرامة عن حالات الموت سواء كان داخل الأراضي السودانية او عقب الدخول للأراضي المصرية، داعية إلى ضرورة وقف الحرب.
مخاوف
ويرى المحلل السياسي الطيب محمد ان وقف ما اسماه بنزيف التهريب، مرتبط بدوره بوقف الحرب في السودان، حيث يفتقد السودانيون للأمن والأمان، مع مخاوف من تزايد رقعة القتال في مناطق أخرى.
ويرى الطيب خلال افادته ل “الكرامة” ان السودانيين بين حجري رحي، يحلمون بالواقع الأفضل، قبل أن يصتطدمون بصعوبة العيش في مصر، فلا الأمن داخل السودان متوفر ولا رغد العيش في انتظارهم.
ويعتبر في ذات الوقت ان الوضع معقد يحتاج إلى حلول ناجعة للحد من عمليات التهريب التي تتم بشكل يومي وباعداد كبيرة، مطلقا نداء تحذيري للسفارة السودانية بضرورة التوصل إلى اتفاق او تعاون مشترك مع السلطات المصرية للحفاظ على أرواح السودانيين.
ضحايا الحرب
ووقعت نهاية الأسبوع الماضي حوادث سير مؤلمة بمحافظة اسوان راحت ضحيتها أسرة سودانية بأكملها، ومن قبلها اشعلت وسائل التواصل الاجتماعي صورة لاحد كبار السن الذي توفي عطشا وفق ما هو متداول، بالقرب من معبر ارقين، منددين بالاوضاع والظروف التي اجبرته على التهريب.
وينظر كثير من المتابعين إلى أن ضحايا التهريب، هم أنفسهم ضحايا الحرب، لايختلفون عن الذين لقوا حتفهم داخل الخرطوم او الجزيرة او دارفور.
وتروي نايلة عثمان قصة مأساوية لرجل ستيني اضطرته ظروف الحرب بالخرطوم، للهرب عبر الصحراء الشمالية بحثا عن الأمان، قاصدا الجارة مصر بعد أن تعذر عليه الحصول على تأشيرة دخول.
وبحسب نايلة ل “الكرامة” فان الرجل كان يبدو عليه الحزن الشديد، يمضي بينهم وحيدا دون أن يرافقه احد من أفراد أسرته، مشيرة إلى أنه وبعد وصولهم إلى محافظة اسوان لفظ الرجل انفاسه ليبكيه الجميع ويتم بعد ذلك دفنه دون أن يعلم من هو وما هي قصته واين ذويه.
العطش وضربات الشمس
وبعيدا عن الموت عبر حوادث السير، نجد انه وخلال إرتفاع درجات الحرارة مؤخرا، ارتفعت معدلات الوفيات بالعطش وضربات الشمس بشكل كبير.
وبحسب السفير عبدالقادر عبدالله قنصل السودان العام بالقنصلية السودانية باسوان، فان إرتفاع كبير في عدد الوفيات بسبب ضربات الشمس والعطش والهبوط في السكر، خلال اليومين الماضيين بسبب موجة الحر الشديدة، مؤكد ل “الكرامة” استخراج تصاريح دفن خلال يومي الجمعة والسبت فقط لنحو 21 جثمان توفو خلال عمليات التهريب بضربات الشمس والعطش والهبوط في السكر، فضلا عدد كبير من الجثامين مجهولة الهوية التي لم يتعرف عليها داخل مشرحة اسوان.
ووفقا للسفير فان اعداد الفارين من الحرب عبر التهريب، في ازدياد مستمر، داعيا إلى رفع مستوى التوعية بالمخاطر، واعتبار القضية جزء من معركة الاعلام و معركة الكرامة.
وقال عبد القادر انه لا توجد ثمة احصائية دقيقة لإعداد الداخلين بالتهريب، غير انه وبحسب الإحصائيات فان حوالي 15 بصا في المتوسط يتحركون من اسوان للقاهرة في اليوم الواحد يحملون سودانيين.
وفي ذات المنحى كشف السفير عن احصائية الحوادث المرورية والتي بلغت منذ بداية العام نحو 25 حادث مروري في الصحراء.