“غلاء الأسعار”.. الحرب على الجيوب
تقرير :رحمة عبدالمنعم
تُطبق الأزمة الاقتصادية قبضتها على السودانيين منذ الخامس عشر من أبريل الماضي ، إذ يعاني المواطنون من أرتفاع غير مسبوق في الأسعار، مع معدلات تضخم تهدد جيوب السودانيين وقدرتهم الشرائية، حيث أرتفعت أسعار عدد كبير من السلع الأساسية في الاسابيع الماضية بشكل لافت، وتزداد شكوى الناس ومعاناتهم مع الغلاء بسبب توقف الرواتب الحكومية، َوعدم وجود مصادر دخل، نسبةً للتدمير الممنهج الذي قامت به المليشيا تجاه القطاعات الإقتصادية، في حربها على معاش الناس
ارتفاع الأسعار
تعيش الآسواق السودانية منذ أشهر تحت ضغط، موجات الغلاء، التي ضربت كل السلع واسعة الاستهلاك والطلب، إذ تعرضت قدرة السودانيين على الشراء حين سجلت اللحوم والخضروات والفاكهة قفزات في الأسعار تعدت 300 بالمائة،خاصةً السلع المستهلكة على غرار البصل، وزيوت المائدة واللحوم والسكر
وشهدت الأسواق في جميع ولايات السودان إرتفاعاً لأسعار السلع، وفي جولة لصحيفة الكرامةفي اسواق مدينة بورتسودان بلغ سعر كيلو السكر 3000 جينه، كيلو لحم البقر 10000 جينه، كيلو لحم الضان 13000 جينه، كيلو البطاطس تتراوح ما بين 5000 الي 6000 جينه، صفيحة السلطة 7000 جينه، قطعة الخبز 150 جينه، كيلو الرز 4000 جينه، كيلو العدس 3500 جينه وكيلو التوم 3500 جينه.
وأكد المستهلكون أن الأسعار شهدت ارتفاعا ملحوظاً خلال عام الحرب بالمقارنة بالعام الماضي خاصة اللحوم والخضر والزيوت والبقوليات والدجاج والبيض التي تشكل أكثر السلع التي يقبلون علي شرائها بشكل يومي
وأشار عدد من المستهلكين إلي أهمية تشديد الرقابة واتخاذ اجراءات لخفض الأسعار خاصة أن الرواتب الحكومية متوقفة في ظل الحرب مع ارتفاع ايجار العقارات للنازحين، والأمر سيكون صعباً للغاية علي الأسر والعائلات.
وأوضح مستهلكون إن المعيشة في مدينة بورتسودان صعبة جداً،والأسرة تحتاج لمبلغ “50” الف جنيه يومياً لتلبية احتياجاتها المعيشية،وذكروا إن سعر عبوة المياة بلغ 2000جنيه، وسجل طبق البيض 9000جنيه، وطلب الفول في المطاعم وصل 1800جنيه، وذكروا إن أقل مشوار داخلي ب “الركشة” يتجاوز 2000جنيه.
ويقول محللون اقتصاديون إن انخفاض قيمة الجنيه السوداني أمام الدولار الأمريكي أدي إلي ارتفاع أسعار السلع. وفقد الجنيه أكثر من 65 % من قيمته منذ بدء الحرب وحتى الآن. حيث سجل 570 جنيها مقابل الدولار الواحد قبل الحرب ووصل حاليا إلى 1900 جنيه مقابل الدولار.
وتوقع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، استمرار ارتفاع أسعار السلع والخدمات في السودان أعلى من 500%
تقرير “WFP”
واصدر برنامج الأغذية العالمي “WFP” التابع للأمم المتحدة تقرير عن إرتفاع أسعار السلع في السودان، وقال البرنامج في تقرير تلقته “الكرامة” : شهد متوسط سعر التجزئة للذرة الرفيعة على مستوى السودان ارتفاعًا ملحوظًا، حيث وصل إلى 691.5 جنيه سوداني للكيلوجرام الواحد. ويمثل هذا ارتفاعًا بنسبة 8.56٪ عن الشهر السابق وزيادة كبيرة بنسبة 93.1٪ عن نفس الشهر من الموسم السابق.
وأضاف :أرتفع متوسط سعر دقيق القمح إلى 1,572 جنيه سوداني لكل 1 كجم، مما يعكس ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة 14.83% عن الشهر السابق وزيادة كبيرة بنسبة 99.24% منذ أبريل 2023.، كمازاد متوسط سعر التجزئة الوطني للماعز إلى 57,784 جنيه سوداني للرأس، مما يشير إلى ارتفاع بنسبة 7.24% عن الشهر السابق وزيادة بنسبة 87.21% عن نفس الشهر من الموسم السابق.
وتابع التقرير :ارتفع متوسط تكلفة سلة الأغذية المحلية لبرنامج الأغذية العالمي إلى 1,016 جنيه سوداني لكل سلة غذائية، مما يعكس زيادة بنسبة 11.89% عن الشهر السابق وارتفاعًا كبيرًا بنسبة 127.29% عن نفس الشهر من العام السابق.
شكاوى المواطنين
وتصاعدت شكاوى المواطنين من الارتفاع الجنوني في الأسعار لمختلف السلع والمنتجات مع توقف الرواتب الحكومية وضعف القدرة الشرائية ، ما تسبب في عجزهم عن تلبية احتياجات أسرهم اليومية .
“وبنبرة حزينة تحدث” كيف لي ان أشتري مستلزماتي اليومية من رغيف وعدس وطماطم ولحوم حمراء بمثل هذه الأسعار الجنونية” هكذا برر ألمواطن أحمد عبدالله عزوفه عن شراء بعض المواد الإستهلاكية، رغم الحاجة اليومية الملحةَ لبعض المواد الغذائية الاساسية، غير إن البعض الآخر انصاع رغم قلة ذات اليد وغلاء أسعارها، مفسَرين ذلك بالقول :” صحيح إن سعر المواد الاستهلاكية مرتفعة ولكن نحاول ان نشتري القليل حتى نطعم أطفالنا”
وقوف المواطنين مشدوهين لغلاء أسعار المواد الإستهلاكية، زادته سيمات حيرة وملل وقلق رسمت على وجوههم بسبب الأوضاع الجارية في البلاد ، حيث أجمع عدد من المواطنين على أنه “فضلا على غلاء الأسعار التي تثقل كاهل المواطنين، فإن الطعام ، ليس له نكهة بسبب الحرب الجارية ونزوح الملايين، والأرواح التي تموت جوعا كل يوم”.
من جانبه قال الموظف محمد الرشيد: “ اسعار السلع وصلت أرقاماً جنونية؛ مشيرا إلى أنه لم يعد قادرا على شراء احتياجاته اليومية وأصبح أبناؤه مهددين بالجوع”.
وأضاف لـ”الكرامة”:، لقد اختفت الطبقة المتوسطة بسبب الحرب ، وهبطت إلى منعدمي الدخل ، مطالبا الحكومة بضبط الأسواق وتخفيض الأسعار وتقديم المساعدات الغذائية للنازخين .
وأكد أن الموظف أصبح يعيش في معاناة وفقر، لأنه لم يصرف راتبه الحكومي منذ عام، ويعيش على مساعدات من شقيقه المغترب بإحدى الدولة العربية، متسائلا :من أين نجلب لابنائتا ثمن الرغيف والحليب ياوزير المالية في طل هذا الإرتفاه الجنوني للأسعار _حدقوله
تبرير التجار
بعد أن طالتهم أسهم الاتهام، خرج التجار عن صمتهم، مدافعين عن نشاطهم ومبرئين ذمتهم من موجات الغلاء، واضعين أنفسهم بين مطرقة الحكومة وسندان المضاربين المتحكمين في تزويد الأسواق ورفع الأسعار على السواء. وفي هذا السياق دافع، التاجر هشام حسن صاحب مراكز “الواحة” ، عن حق التجار في ضمان هوامش الربح التي تعد مصدر قوتهم وقوت عائلاتهم.
وقال إنّ “التجار بدورهم ضحية الموردين، إذ هم إلا حلقة من حلقات السلسلة، فالتاجر مهمته توفير السلع مع ضمان هامش الربح، وليست مهمته كبح المضاربة في السلع وضمان تموين الأسواق، هذه من مهام مؤسسات الدولة”.
وأضاف حسن لـ”الكرامة”: ” أن توقف انتاج المصانع المحلية، وزيادة تكلفة الترحيل، ساهما في ارتفاع اسعار السلع، وإن ارتفاع الدولار جعل حركة الأسعار غير ثابتة
وقال: “لا بد من العمل للقضاء على أسباب ارتفاع المواد الإستهلاكبة، وعلى رأسها نقص الإنتاج، وكذا تركيز الحكومة مع المؤسسات على فتح مصانع جديدة في الولايات الآمنة لغلق باب التلاعب، الذي يلج منه المستوردون وهو نقص الإنتاج من خلال تحقيق الوفرة، مع بذل المزيد من الجهود للقضاء على ظاهرة تخزين السلع والمضاربة بها
توقف الإنتاج
وقال الخبير الاقتصادي عمر المنا إن أسعار السلع والغذاء في السودان وصلت لمستويات غير مسبوقة، وهي في ارتفاع متزايد”.
وتابع في حديثه لـ”الكرامة :”أن هناك عدة أسباب لارتفاع الأسعار في السوق السودانية خاصة مع استمرار “وجود أزمة محلية بالاقتصاد السوداني، بسبب شح الدولار وارتفاع سعر الصرف، وتوقف مدخلات الإنتاج المحلية بسبب تدمير المصانع من قبل المليشيات “.
ويوضح المنا لـ”الكرامة” أن “معاناة السودان مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية بدأت مع الحرب، التي أثرت على أسعار الحبوب والزيوت بشكل مباشر”، وقد انخفض إنتاج الحبوب بنسبة 46% عن العام السابق، بسبب تأثير النزاع القائم على العمليات الزراعية.