ولاية الخرطوم.. الحياة تعود من جديد
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو
شرعت السلطات المختصة في ولاية الخرطوم في تنفيذ العديد من المطلوبات الضرورية لتعزيز استقرار المواطنين بعد عمليات التأمين الواسعة التي نفذتها القوات المسلحة والقوات المساندة لها في منطقة أم درمان القديمة، ومنطقة كرري، حيث نزلت الشرطة ميدان المسؤولية ونشطت قواتها في الاضطلاع بأدوارها كيدٍ أمينة على مقدّرات الوطن، وعين ساهرة على ممتلكات المواطن، يأتي ذلك في وقت تواصل فيه حكومة ولاية الخرطوم بقيادة الوالي أحمد عثمان حمزة جهودها المتعاظمة لاستعادة الحياة في الولاية التي شهدت انطلاقة شرارة الحرب الأولى في الخامس عشر من أبريل 2023 م.
غبار المعارك:
هبت الخرطوم في جُنح الدجي وليل الحروب الذي تطاول بأنواع من الهموم والابتلاءات، ذلك أن الخرطوم التي كان صدرها مكاناً استقصدته الطلقة الأولى من فوهة بنادق مليشيا آل دقلو المتمردة، لم تركن لتداعيات الحرب وأثمانها الباهظة، وإنما نفضت عن نفسها غبار المعارك واستجمعت ما تبقى فيها من قوة لتحاول الوقوف من جديد، ويحسب هذا الأمر للسيد أحمد عثمان حمزة والي ولاية الخرطوم الرجل الصامد، ولأركان حربه من الوزراء والمسؤولين الذين رابطوا في الخرطوم، يواجهون الموت ويسندون من صمد من المواطنين في المنازل والبيوت.
أمن وإطعام:
لقد اجتهدت حكومة ولاية الخرطوم طوال فترة الحرب لتأمين المواطنين من الخوف وإطعامهم من جوع، فعلت ذلك برفع طاقة التنسيق والتعاون مع المؤسسة العسكرية، سواءً في الجانب الأمني، من خلال الارتكازات وفتح معسكرات التدريب والتأهيل أمام المستنفرين والمجاهدين، أو في الجانب الغذائي بتوفير السلع والمواد الضرورية من قبل المؤسسة التعاونية التابعة للقوات المسلحة التي ظلت تلبي احتياجات المواطنين عبر منافذ للبيع المخفض، وها هي الشركة السودانية للمناطق والأسواق الحرة تدخل مسرح العطاء لتقديم الخدمات الضرورية للمواطنين من خلال اعتزامها تنفيذ برنامج عودة الحياة إلى الخرطوم، عبر استنفارها كبريات الشركات والمصانع من أجل تنظيم معرض تجاري تقدم خلاله المواد والسلع الاستهلاكية بأسعار رمزية، هذا بجانب فتح عدة منافذ للبيع في عدد من المواقع في الخرطوم، وتوزيع نحو 50 ألف سلة مقدمة من منظمة قطر الخيرية للأسر المتضررة من الحرب في ولاية الخرطوم.
استعادة الحياة:
وبدأت مناطق محلية كرري وأم درمان القديمة في استعادة الحياة بشكلها الكامل، بعد أن عاد إليها سكانها، واستقبلت عائدين من ولايات السودان الأخرى ومن خارج البلاد، وشرعت السلطات المختصة في ولاية الخرطوم في بسط يد الخدمات الضرورية للمواطنين وخاصة خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات والإنترنت، فعادت محطة مياه بيت المال ومحطة كهرباء بابور التحويلية إلى العمل، وعادت عافية الإضاءة لتدب في جسد الكثير من مناطق الخرطوم، التي ظل بعضها مظلماً منذ انطلاق الحرب، وتجري الترتيبات لاستعادة الكهرباء في مناطق أخرى، هذا فضلاً عن محاولات جادة لاستعادة النظام الصحي في عدد من المستشفيات والمرافق الصحية، واستباق ذلك بمشروع النظافة وإصحاح البيئة الذي شمل مواراة الجثث والجثامين وإعادة تخطيط بعض المقابر والمدافن.
استارلينك:
ولما كانت الاتصالات عصب الحياة في السودان لما لها من أهمية في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية فقد كانت حكومة ولاية الخرطوم حريصة على استعادة خدمة الاتصالات والإنترنت التي تسببت الميليشيا المتمردة في إيقافها منذ فبراير 2024 م، فقد قام والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة، وبالتعاون مع قيادة الجيش، بتوفير أجهزة إنترنت فضائي “ستارلينك” لتوفير الخدمة لمواطني محلية كرري جنوبي أم درمان مجاناً، هذا بجانب عودة بعض شركات الاتصال للخدمة التدريجية التي شملت عدة مناطق بولاية الخرطوم.
شمس أمل:
وبدأت شمس الأمل تشرق في نفوس مواطني ولاية الخرطوم، بإمكانية استعادة بعض من عافية حياتهم الاقتصادية والتجارية التي اغتصبها الجنجويد، بعد أن عادت بعض المصارف والبنوك لاستئناف نشاطها، مثل بنك الخرطوم، وبنك النيل، ورغم أن هذه المصارف قد عادت إلى العمل في وقت تآكلت فيه قيمة الجنيه السوداني إلى أكثر من النصف مقابل العملات الأجنبية، إلا أن مراقبين اعتبروا الخطوة بالمعززة والداعمة لجهود حكومة ولاية الخرطوم لاستقرار الأوضاع بتحريك القطاع المصرفي ليقوم بدوره الإيجابي في تحريك دولاب النشاط الاقتصادي والتجاري الذي ظل ساكناً قرابة العام إلا من المعروض من بضائع مسروقة تباع في ما يسمى بأسواق آل دقلو أو أسواق ( الشفشفة).
حالة طوارئ:
وشهد مطلع شهر مايو الجاري إعلان والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة حالة الطوارئ في الولاية، واقترن إعلان الطوارئ بتشكيل خلية أمنية لمواجهة التهديدات العاجلة، حيث تختص هذه الخلية بعدة مهام، منها جمع المعلومات وتحليلها وتصنيفها والتعامل معها، وتعمل الخلية بوصفها جهاز إنذار مبكر لبقية القوات النظامية، والتركيز على المعلومات الاستخباراتية والأمنية العاجلة، والتي تشكل تهديداً ماثلاً لا يقبل البطء في التعامل معه بالطريقة التقليدي، كما تعمل الخلية على «رصد الخلايا النائمة، والتحري ومراقبة الأشخاص والأماكن والأنشطة التي يشتبه فيها، وتفتيش ومداهمة المواقع التي تأكد وجود نشاط عدائي بها، والاستجواب المشترك للموقوفين، وإحالة القضايا التي تحتاج إلى عمل أمني تقليدي طويل المدى إلى الأجهزة النظامية.
ضمان وتحوط:
وكان والي ولاية الخرطوم أحمد عثمان حمزة قد وجه سلطات وزارة التخطيط العمراني بتقييم صلاحية المنازل والأسواق وغيرها في إطار خطة الولاية لضمان العودة الآمنة للمناطق التي تم تطهيرها من الميليشيا المتمردة خاصة أولئك العائدين لمنطقة أمدرمان القديمة، وإرشادهم بالخطوات التي يجب اتخاذها قبل دخول منازلهم لضمان سلامتهم والتأكد من صلاحية المباني، بحيث تقدم هذه الخدمات مجاناً للمواطنين وإعلانهم بموقع الوزارة ومقرها ليتم التواصل معها، وتنبيه المواطنين بعدم التصرف والدخول في أي معاملات خاصة ببيع وشراء الأراضي الزراعية والسكنية خشية الوقوع في براثن التزوير والتلاعب بحقوق المواطنين، وذلك إلى حين الإعلان رسمياً عن عودة المعاملات عبر النوافذ الحكومية.
على كلٍّ هذا غيض من فيض جهود ظلت تضطلع بها ولاية الخرطوم لأكثر من عام من الحرب، ملتزمة الصمود في وجه البنادق والراجمات والدانات، وهي مواقف بطولية يقودها الوالي الهمام أحمد عثمان حمزة الذي عكست هذه الحرب أصالة معدنه، ونفاسته، وصدقه فيما عاهد عليه الله والوطن، فبقدر شجاعته في مواجهة الخطوب وتحمل تبعات الحروب، فهو في جانب آخر لينُ الجانب وعطوف في مواجهة مُدلَهمَّات الظروف، تفضحه دموعه عند مواقف التضامن وإسناد المواطنين الضعفاء والمغلوبين، فشكراً أيها الوالي (فما ضرّ عثمانَ بعد هذا)، فقد حمل روحه على راحتيه وألقى بها في مهاوي الردى، ومارس الصمت والصمود والصبر الجميل دفاعاً عن المواطن وذوداً عن حياض الوطن..
ونفسُ الشريفِ لها غايتان،، ورودُ المنايا ونيلُ المنى.
فإما حياةٌ تسرُّ الصديق،، وإما مماتٌ يغيظ العِدا.