الشعور بالجدوى..!

“الحرب تفضح الخائن وتكشف ذا الخُلق، ثم تمضي كما مضى ما قبلها، ويبقى الأجر لمن صبر”.. ابن سينا..!

“نحن نضحك على من هم أقل منا، نضحك على قبحهم ونشعر بالفرح لأننا ننتمي إلى طبقة إنسانية أعلى”. هكذا يُفلسف “أرسطو” ضحك الناس على بعضهم، وشعورهم بالأهمية والارتياح عندما يرون شخصاً يرتكب حماقةً ما أو يوقع نفسه في الحرج لسببٍ ما..!

تلك هي طبيعة الإنسان، آمننا بالله. لكن هل تقتضي تلك الطبيعة أن لا تغيرنا الحروب، أن لا تبدلنا الكوارث، أن لا نعيد ترتيب أولوياتنا وتقديم أو تأخير اهتماماتنا، أن لا نعاود التفكير بموجبات استحقاقنا لبعض الفرص، وجدارتنا ببعض النعم، واختياراتنا لطبيعة الأدوار التي تشعرنا بالجدوى في هذه الحياة..؟

في الأيام الماضية أقام السودانيون – من مختلف مواقع ومقار إقامتهم كمغتربين أصليين أو لاجئين  ونازحين بعد اندلاع هذه الحرب – قيامة زوجين على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب انتشار مقطع فيديو يوثق لمشهد يفاجيء فيه الرجل زوجته باحتفال صغير بمناسبة عيد ميلادها في أحد مطاعم القاهرة..!

مبعث السخرية والضحك كان إصرار معظم المشاركين بالتعليق على أن مثل هذه التصرفات لا تشبه طبائع الأزواج عندنا ولا تتناسب مع طبيعة الزواج في مجتمعاتنا، وكيف أن الإقامة في بلاد الناس بسبب الحرب لا تعني أن نقوم بتقليدهم في شئون الحب..!

 بالتزامن مع هذه الحكاية أقام السودانيون أيضاً قيامة كهل مغترب – على مواقع التواصل الاجتماعي ذاتها – بعد أن أوقعه حظه العاثر في براثن الحديث بمودة مع نجمة “سوشيال ميديا” عبر الميكروفون وعلى رؤس الأشهاد..!

لم يكتفِ الرجل بالذهاب إلى حفل افتتاح مطعم البوش الجديد الذي تحييه الآنسة “آية آفرو”، ولم يقتصر نشاطه هناك على التفرج من بعيد لبعيد، بل تفاقم الأمر إلى قيامه بالاشتراك في إحدى المسابقات الخاصة بذلك الحفل. وعندما سألته مقدمة الحفل عن موقفه في حال لم يكسب المسابقة أجابها قائلاً بابتسامة عريضة “نكون كسبنا شوفتك”..!

بعد انتشار عدة شائعات بشأن نوع ومقدار الضغوط الأسرية والمجتمعية التي تعرض لها ذلك الكهل المسكين لجأ  إلى استخدام حق الرد من خلال مقطع فيديو أعرب للناس فيه عن قلقه من حدة هجومهم الذي يشبه هجوم التتار على بغداد..!

الآنسة” آية آفرو” أيضاً لجأت إلى استخدام حقها في الرد على ما أسمته باعتذار “عمو عاطف” الذي شهد الجميع – بحسبها – على أنه كان “مبسوطاً” بمحاورتها يوم الحفل، لكنه انقلب عليها بقدرة قادر، الأمر الذي أزعجها كثيراً بطبيعة الحال..!

وهكذا ترك السودانيون متابعة مستجدات ومآلات جرائم مليشيا الدعم السريع ومجازرها في هذه الحرب على شبكات التواصل الاجتماعي، وتركوا متابعة مواقف وتبعات مواقف السياسيين الذين تواطأوا مع فعائلها، وتناسوا منعطفاً تاريخياً كهذا الذي أورثهم كل هذا الشتات، وحدثاً كارثياً برتبة مصيبة كهذه الحرب، وتفرغوا للسخرية من احتفاء زوج بزوجته، واستمرأوا الضحك على اندياح “عمو عاطف”..!

منذ خلق الله الأرض وما عليها ونحن لسنا سواء، منا الصالحون ومنا الطالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا، وليس من الحكمة أن نطالب بعضنا بالإنصاف أو أن نتهم بعضنا بالإجحاف وفقاً لأحكام نسبية على مواقف شخصية..!

 لكن أدنى درجات المسئولية الوطنية تقتضي أن نتغير للأفضل ولو قليلاً، أن نرتقي بوعينا الجمعي وسلوكنا الوطني كشعب في مواجهة تبعات هذه الحرب..!

إن لم تُغيِّرنا أهوال التهجير والتشريد ومعاناة النزوح وقسوة اللجوء  في هذه الحرب في فمتى نتغير، متى نغير ما بأنفسنا حتى يغير الله ما بنا!.