(الكرامة) تورد التفاصيل الكاملة لمعاناة “بابنوسة”

تقرير: رحمة عبدا لمنعم

يعيش النازحون جراء الحرب من مدينة “بابنوسة القميرة” في غرب كردفان، أوضاعاَ انسانية قاسية، وجوه عبث بها الجوع والبؤس، وتعرضت لظلم ذوي القربى باستهداف مليشيات الدعم السريع لمنازل المواطنين ومحالهم التجارية، وقديماً قيل “ظلم ذوي القرى اشدا مرارةً”، وقد تذوق اهالي بابنوسة صنوفاً من التشريد والقتل والنهب والسلب، فاضطروا لترك مدينتهم ونزحوا إلى مناطق “المجلد، الفولة، الميرم، الأضية، نجاما، فاما وهجليج”.
نزوح قسري
شردت الحرب في بابنوسة اَلاف المواطنين ودفعتهم إلى هجرة مساكنهم الاصيلة الواقعة في مناطق الصراع، وبحسب مكتب الامم المتحدة، فإن (80٪ ) نزحوا هرباً من الاشتباكات المشتعلة في المدينة منذ أشهر.
ولجأ الآلاف إلى مناطق “المجلد، الفولة، فامأ، هجليج.. الخ”، وقد فاضت المنازل والمدراس وحتى الشوارع والميادين العامة بخيام النازحين.
ومع استمرار القتال في بابنوسة، يفقد المواطنون الأمل في العودة إلى مساكنهم وعودة الأوضاع إلى طبيعتها، “إلى متى سنظل على هذا الحال؟” يتساءل ياسر جودة، ويواصل قائلاً: “فقدت الأمل في توقف هذه الحرب، المليشيات حولت حياتنا إلى جحيم.. نريد أن نعود لمنزلنا بحي السلام”.
قتل ونهب
واصلت مليشيات الدعم السريع نهجها الإجرامي في مدينة بابنوسة، حيث قامت بتدوين منازل المواطنين بقذائف “الكاتيوشا”، لتسقط اعداد من القتلى والجرحى في أحياء “ابو اسماعيل، السكة حديد، الغبيش”، وتكثر القصص والحكايات المؤلمة لمدنيين تعرضت اموالهم للنهب ومنازلهم للسطو من قبل المليشيا الارهابية.
يقول أحد المواطنين ويدعى ” ح. ر” لصحيفة (الكرامة)، إن مليشيا الدعم السريع تمركزت في مخارج مدينة بابنوسة، ونصبت عددا من نقاط التفتيش لبسط نفوذها، ومارست النهب والسلب والقتل، وتضييق الخناق على المواطنين، ويضيف: «لا حرمة للدماء ولا الأموال في حكم المليشيات، فكم من شخص قُتل ظلماً، واستهدفوا بيته، وشردوا أسرته بدون سبب».
وقالت هيئة “محامو الطوارئ”، وهي منظمة معنية برصد الانتهاكات في مناطق الحرب، إن مليشيات الدعم السريع قامت بتنفيذ هجوم على مدينة بابنوسة والقرى المجاورة بولاية غرب كردفان وجرت معارك بينها وبين الجيش.
واضافت في بيان لها، إن الاشتباكات أدت إلى مقتل (23) مواطنًا وإصابة أكثر من (30) آخرين، ونزوح عدد كبير من المواطنين إلى المناطق الأكثر أمنًا.
الموت عطشا
يحكي نازحون من منطقة بابنوسة قصص معاناتهم مع الحرب وافتقارهم لأبسط سبل الحياة الكريمة وخوض رحلة البحث عن مسكن آمن في مناطق “الفولة، المجلد، فاما، هجليج.. الخ.
وتروي السيدة “عجالى ماكن” قصة معاناتها مع النزوح لصحيفة (الكرامة) قائلة: خرجت من منزلي في حي التضامن بعد ان تقطعت بي كل السبل، فالحياة صعبة وشبح الموت هنا فيةكل مكان، نزحنا إلى مدينة الفولة عبر عربة “فيستو”، وهنالك من امتطى ظهر عربته “الكارو”، ومن قطع مسافات طويلة سيراً على الاقدام.
وتحدثت “عجالي” بمرارة عن مأساتها مع النزوح: “مات ثلاثة أشخاص من أقربائي، بينهم شيخ مسن وامراة وطفلة تبلغ من العمر ثلاثة أعوام نتيجة العطش وارتفاع درجات الحرارة أثناء نزوحهم من مدينة بابنوسة باتجاه مدينة هجليج”.
وأضافت: “التحقت بإحدى المدارس المخصصة لسكن النازحين في الفولة، ولكن الظروف صعبة، وواجهت حياة قاسية، لم استطع الحصول على ابسط احتياجاتي، وقد انقطع مصدر دخلي الأساسي”.
تشرد ومعاناة
ووفق لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، فقد توسع نطاق نزوح المدنيين في مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان، وبموجب تصنيف منظمات غير حكومية يعاني نحو 10 الاف نازح من “بابنوسة” أوضاعا إنسانية صعبة بسبب النقص الحاد في المواد الغذائية مع ارتفاع حاد في معدلات امراض سوء التغذية، وسط اماكن غير صالحة للسكن.
وقال المواطن أمين الطيب النازح بمنطقة المجلد لـ(الكرامة)، إن منزله تعرض للنهب، وقد باع بعض الأغراض التي خرج بها نازحاَ من أجل لقمة العيش. واضاف: “نحن نموت بالبطئ، نزوح وتشرد ونقص طعام ونتعرض للذل داخل وطننا، ولا توجد اي اغاثات والجوع يقترب منا بعدما فقدنا كل شئ”.
ويعاني النازحون الفارون من حرب بابنوسة حياة تشرد وظروفة صعبة في ظل عدم الاستقرار وصعوبة الحصول على مساكن مريحة، فالعائلات النازحة تسكن في فصول المدارس وقاعات الجامعات، وتتوزع ما بين الفناء الخارجي لمكاتب المحاكم القضائية ورئاسة الشرطة، كما هو الحال في مدينة الفولة.
وفي ظل تعذر وصول المساعدات الإغاثية المقدمة من المنظمات الدولية للنازحين بسبب خطورة الأوضاع الأمنية وضراوة القتال في مناطق سير الإغاثات، تسعى منظمات محلية وشباب سودانيون وبمبادرات ذاتية في بعض الأحيان إلى مساعدة النازحين أو المحتاجين، إما عبر جمع التبرعات لتلك الفئات أو توصيل المساعدات بالتنسيق مع المانحين.
شبح الجوع
يعاني ما يقرب من 3 الاف مواطن نزحوا من “بابنوسة” إلى مدينة “الفولة” من النقص الحاد في الغذاء والدواء، وعدم القدرة على تلبية أبسط الاحتياجات في ظل مساعدات محدودة يقدمها اهل الخير والاحسان.
وتروي أم حارن- نازحة من بابنوسة تقطن في مسكن “القضائية” للنازحين: “الفقر قرب يقتلنا، بقينا ما قادرين نجيب حاجاتنا البسيطة، ومعتمدين على وجبة واحدة في اليوم، وأكلنا كلو 5 بلحات”.
وأضافت لصحيفة (الكرامة): “الناس هنا ما قصروا معانا وظروف الحرب قاسية، والمساعدات بقت قليلة شديد، ودخلنا في مجاعة، والله كريم على عباده”.
ويعكس السيد “عيسي الجالي” صورة قاتمة لحياة النازح الذي افقدته الحرب كل شئ، فمنزله تعرض للدمار بعد ثاثره بقذيفة ارسلها “الجنجويد” في تدوينهم العشوائي علي حي “ابو اسماعيل”، كما قتل في الحادثة اثنين من ابنائه الشباب.
وتحدث عيسي بمرارة عن وضعه الحالي وما يعانيه، وقال لصحيفة (الكرامة): “لم اعد امتلك شيئاً، والحرب حولتني إلي متسول من اجل أسرتي، واجد صعوبة كبيرة في الحصول على الغذاء، وحالياَ نحن في مرحلة الجوع الشديد”.
ومن جهته، قال حمدان الحاج لصحيفة (الكرامة): “نعاني من أوضاع انسانية صعبة لم تحدث لنا من قبل مطلقاً، نزوح وتشرد وامراض وقلة طعام، ولا نأكل في اليوم سوى وجبة واحدة، والطفل الذي يحصل على ربع رغيفة في اليوم فقد فاز”.