Mo .. فلسطين بطلة أفضل دراما كوميدية تعرضها نتفليكس

بعد مرور أكثر من عامين على عرض الموسم الأول، يعود مسلسل MO “مو” الكوميدي إلى نتفليكس بموسم ثانٍ أكثر إضحاكاً وحيوية وتأثيراً.المسلسل الذي يتتبع حياة أسرة فلسطينية مهاجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية، تنتظر الحصول على الجنسية الأميركية منذ أكثر من 20 عاماً،  توقف موسمه الأول وبطله “مو”، أو محمد النجار، عالق داخل سيارة شحن قامت بنقله إلى المكسيك، حيث لا يستطيع العودة إلى أميركا مجدداً!في الموسم الثاني، المكون مثل الأول من 8 حلقات قصيرة، تحصل الأسرة على الجنسية باستثناء “مو”، الذي لم يزل عالقاً في المكسيك لستة أشهر، والذي يحاول التسلل إلى أميركا، مع مهاجرين آخرين، بشكل غير شرعي، فيقبض عليه ويواجه خطر الترحيل إلى الأبد.للمرة الثانية يبرهن صانعا العمل محمد عامر ورامي يوسف على براعتهما المطلقة في استخراج الكوميديا من أكثر المواقف جدية ومأساوية.وللمرة الثانية يثبت “مو” أن الكوميديا، حين تجد من يتقنها، تصبح قالباً لا يبارى في معالجة أكثر الموضوعات حساسية وصعوبة، كما تستطيع تجاوز كل أنواع الرقابة، الرسمية والاجتماعية، والوصول إلى كل الناس.دليل على ذلك أن يحظى المسلسل في موسميه الأول والثاني بتقدير 100% على موقع Rotten Tomatoes، بجانب حصولهما على إعجاب أغلبية المشاهدين، كما يتضح من نسب المشاهدة على منصة نتفليكس وتعليقات المشاهدين على مواقع التواصل والصفحات المخصصة لتقييم الأفلام.ولعل الأكثر إثارة للانتباه هو حصول الموسم الثاني من المسلسل على هذا الإجماع، بالرغم من الظروف السياسية الغريبة والغرائبية في عهد ترمب، أو ربما تكون هذه الظروف أحد أسباب نجاح العمل وشعبيته، إذ تبدو كل الأحداث والمواقف الكوميدية العبثية التي يحتويها العمل أقل مما يحدث في الواقع.يأتي الموسم الثاني في وقت صعب، ولكن مثالي، مع ما يحدث في غزة والضفة المحتلة منذ عام ونصف العام، ومع ما يفعله ترمب ضد اللاجئين والفلسطينيين والمكسيكيين، ذلك أن بطل العمل لاجئ وفلسطيني، ويعبر المكسيك بطريقة غير شرعية!مو ورامي وشيرينمن يتابع الكوميديا التليفزيونية الأميركية يعرف أن محمد عامر ورامي يوسف كانا من أشهر الكوميديانات المتخصصين في Stand-up comedy، وقد قام رامي يوسف بصنع مسلسل من 3 مواسم بعنوان Ramy، حصل عنه على أكبر الجوائز التليفزيونية، وكان يتناول حياة عائلة من أصول مصرية مهاجرة إلى أميركا.محمد عامر صديق وشريك عمل رامي يوسف كان قد شارك في مسلسل Ramy يلعب دور قريب رامي، ومحمد عامر، مثل رامي يوسف، هاجر مع عائلته من الكويت إلى أميركا، حيث عانوا أيضاً من الانتظار لسنوات طويلة جداً قبل أن يحصلوا على الجنسية. ويعتمد مسلسل “مو” في جزئية على حياة محمد عامر وعائلته إلى حد كبير.”مو” عامر، مثل رامي أيضاً، يكتب ويخرج ويمثل وينتج أعماله بنفسه، كما فعل رامي في “رامي”، ويبدو أن هذه هي الطريقة المثلى للتغلب على صعوبات الإنتاج والتمييز التي قد تقف عائقاً أمام الفنانين من أصول عربية في أميركا.ومن الجميل أن إحدى بطلات المسلسل، والتي تلعب دور نادية، أخت “مو”، هي المخرجة والمؤلفة والمنتجة والممثلة شيرين دعبس، صاحبة شيرين دعبس صاحبة فيلم “أمريكا”، 2009، الذي كان من أوائل الأفلام التي تتناول حياة المهاجرين العرب إلى الولايات المتحدة فيما بعد أحداث 11 سبتمبر.شيرين، بالمناسبة، عرضت فيلمها الروائي الثالث في مهرجان “صاندانس” منذ أسبوعين، والذي حمل عنوان All That’s Left of You، والذي قامت بكتابته وإنتاجه وإخراجه والتمثيل فيه، وبالمناسبة أيضا، الفيلم يتتبع تاريخ عائلة فلسطينية في الأرض المحتلة منذ النكبة وحتى اليوم.رامي وعامر وشيرين يمثلون جيلاً أميركياً من أصول عربية بدأ يدرك أهمية الفن والثقافة في المقاومة والتغيير، ولعل ذلك يلهم المزيد من الأميركيين العرب للدخول بقوة في معركة الوعي التي وصلت الآن لذروتها في وسائل الإعلام وهوليوود والولايات المتحدة بشكل عام.فريق من المتميزينونعود إلى مسلسل “مو” الذي يضرب لنا مثلاً في الكوميديا الواعية والتنويرية القادرة على جعل المشاهد يرى الأمور بشكل مختلف، وأتصور أن هذا هو أكبر أسباب نجاح “مو” وتأثيره الملحوظ. يعتمد المسلسل، كما ذكرت، على تجربة محمد عامر الشخصية بشكل كبير، ولكن ذلك لم يكن ليكفي دون وجود الشخصيات الأخرى والممثلين المتميزين جداً الذين يؤدونها. على رأس هؤلاء المخضرمة فرح بسيسو التي تؤدي دور يسرا، والدة “مو”، وعمر علبة، الذي يؤدي دور سمير، شقيق “مو” الأكبر المصاب بالتوحد.ولا يقع المسلسل كذلك في فخ الحصار داخل العائلة الضيقة، لكنه يرسم لوحة بانورامية مصغرة لحياة المهاجرين بشكل عام في مدينة هيوستون، بولاية تكساس، وعلى رأس هؤلاء حبيبة “مو” المكسيكية ماريا، والتي تؤديها تيريزا رويز، وأصدقاءه  النيجيري نيك (توبي نويجوي) والعربي حميد (مؤيد محمد النافع)، والذي يتمتع بقدرات كوميدية استثنائية، تشيع البهجة في كل مشهد يظهر فيه.كوميديا الصعاليكمن أسباب جاذبية المسلسل أيضاً أنه يرسم شخصياته بشكل إنساني يدعونا لحبها والتعاطف معها، أو على الأقل فهمها، رغم عيوبها، وتكمن براعة محمد عامر أن أكثر شخصية يسخر منها، ويبين سلبياتها هي شخصية “مو” التي يؤديها.”مو” يشبه الكثيرين من أبطال الكوميديا الغربية، ولكن بقليل من التأمل يمكن أن نلاحظ أن الشخصية تستمد جذورها من تراث الفكاهة العربية، وبالتحديد شخصية “الفهلوي”، أو المحتال الطيب تعيس الحظ، في حكايات “الشطار والصعاليك والعيارين”، والتي انتقلت إلى إسبانيا، وتحولت إلى ما يعرف بـ”البيكارسك”.ولعلها المصادفة الموفقة أن يبدأ الموسم الثاني في بلد ورثت الثقافة الإسبانية وهي المكسيك، حيث قضى “مو” ستة أشهر كصعلوك حقيقي: يبيع تاكو الفلافل، ويعزف في فرقة موسيقية، دون أن يملك الموهبة، ويلعب في نادي “مصارعة حرة” مرتدياً قناعاً، ويحمل اسم “الدب الفلسطيني” حيث يتعرض للضرب طوال الوقت!طبقات من العمقبين ثنايا هذه الكوميديا الصاخبة يحمل مسلسل “مو” طبقات من الجدية ومناقشة قضايا حساسة مثل الصراع العربي الإسرائيلي، والتمييز العنصري ومفاهيم الرجولة العربية المأزومة.يشعر “مو” بضغط العائلة العربية، ويحمل على كاهله عبء حماية ورعاية العائلة، وعدم القدرة على الإفصاح عن معاناته، بالرغم من ضعفه.ونتيجة هذا الكبرياء وشعوره بضرورة الدفاع عن رجولته المهددة، فهو دائماً ما يفعل ما يصفه الآخرون بأنه “أغبى شيء على الأرض”: يتسلل عبر الحدود رغم تحذير محاميته، يقتحم مطعم غريمه الإسرائيلي، ويتشاجر معه فينتشر فيديو الحدث على “تيك توك”، ما يتسبب في إفشال مشروع زيت الزيتون الذي تعتمد عليه عائلته.ولا ينتصر “مو” حقاً، في الحياة العملية أو الحب، إلا في المشاهد التي يتعلم فيها أن يتجاوز كبرياءه الجريح، ويبكي أو يعترف بأخطائه.يناقش المسلسل أيضاً فكرة الحفاظ على الهوية دون السقوط في الانغلاق على هذه الهوية أو نسيانها، ويبدو أن حميد هو الأكثر مهارة في حل مشكلة الهوية: إنه عملي تماماً، ويعرف كيف يبقى Survive، وأن يرتدي الأقنعة، لكن دون أن يفقد هويته الحقيقية.كذلك تعرف الأخت نادية كيف تكون منفتحة على العالم، إذ تتزوج رجلا كندياً مسيحياً، ولكنها تحافظ على هويتها وعقيدتها، ومن خلال الرحلة الطويلة التي يمر بها “مو”، من مواجهة العنصرية والتمييز على الحدود في المكسيك، وتعنت القضاة والشرطة والنظرة السلبية للمسلمين والعرب، وصولاً إلى التعرض للإذلال على أيدي ضباط المطار في تل أبيب، يتعلم أن جوهر المقاومة يكمن في الصبر على المكاره والاحتفاظ بتلك الابتسامة الساخرة التي تثير جنون المحتلين.ويعرف المسلسل أيضا كيف يجسد الهوية الفلسطينية درامياً، من خلال الطعام الفلسطيني بشكل عام والزيتون بشكل خاص، وبشكل رمزي وجريء للغاية ينتهي الموسم الثاني بالعائلة، وقد عادت إلى فلسطين، لتعاود الارتباط بجذورها، وتؤكد أنها لن تفرط في هذه الجذور، مهما كانت طبيعة البلد الذي تعيش فيه، وهي أقوى رسالة يوجهها المسلسل في هذا الوقت تحديداً. * ناقد فني