مصفاة الخرطوم.. اقتصاد السودان يدفع ثمن حروب السلطة
تتزايد مشاكل الاقتصاد السوداني يوما بعد يوم في ظل استمرار الحرب وتدهور مريع لأوضاع البلاد في كل المناحي وسط لا مبالاة بحجم الاضرار الكبيرة التي لحقت باقتصاد البلاد. وتتوالى الخسائر المادية بسبب التدمير المتواصل والإنفاق الكبير على الحرب والدمار الشامل الذي يستهدف المنشآت الاقتصادية والبنيات الأساسية، ويتسابق كل طرف على تحميل المسؤولية للآخر دون مراعاة لمعاناة المواطنين، وتدمير البنية التحتية وتعطل الانتاج والتجارة الداخلية والخارجية والاستثمار. واندلعت معارك يوم أمس حول مصفاة الجيلي أدت الى قصف المستودع الوحيد المتبقي تحت سيطرة الدعم السريع، مما أدى إلى تدميره بالكامل. واتهم الجيش السوداني مليشيات الدعم السريع بإحراق المصفاة، واعتبر أنها محاولة يائسة منها لتدمير بنيات السودان، بعد أن يئست من تحقيق أوهامها بالإستيلاء على مقدراته وأرضه. فيما قالت الدعم السريع إن الجيش هو المسؤول عن إحراق المصفاة عبر استهدافها بالغارات الجوية بصورة متكررة لتدمير البنية التحتية. وتبلغ قدرة المصفاة الإنتاجية 100 ألف برميل يوميًا، وتغطي 50% من احتياجات البلاد من الوقود، ويؤكد خبراء اقتصاديون أن استهداف المنشآت الإنتاجية نتيجة طبيعية لحرب مدمرة يصر طرفاها على استمرارها فيما يفقد المواطن كل مقومات الحياة الإنسانية من الأمان والقدرة على العيش في سلام، بينما تحرق وتدمر ثروات البلاد بسبب الحرب. وأدى توقف مصفاة الخرطوم وتراجع واردات السودان من الوقود على خلفية تزايد التوترات الجيوسياسية في البحر الأحمر، إلى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وانتشار السوق السوداء وتوقف عدد كبير من محطات الوقود في السودان عن الخدمة، حيث تعرضت للنهب والتخريب وسط الاشتباكات المستمرة، ما أدى إلى انتعاش السوق السوداء. وكان وزير الطاقة والنفط في سلطة الأمر الواقع محي الدين النعيم، اكد ان جملة الخسائر بسبب الحرب الدائرة في قطاع النفط تقدر بـ 20 مليار دولار. وأضاف: “فقدنا 600 كيلو متر من خط الانابيب الناقل للنفط اما الخسائر في قطاع الكهرباء لا تحصى بسبب الدمج واستهداف المحطات التحويلية، وفقدنا 60 كيلو من الخط الناقل بسبب الحرب الدائرة في الجنوب”. ويرى الخبير الاقتصادي د. حسن بشير أن أبرز الآثار السلبية للحرب هي الدمار الاقتصادي لموارد البلاد، فضلا عن الاستنزاف الكبير للقوى العاملة في السودان، من خلال التهجير وتعطل الاعمال الخاصة والعامة الى حد كبير، مما يؤدي إلى فقدان المواهب والخبرات والابتكار المحتمل الناتج عن تعطل التعليم العام والعالي، وتفشي البطالة. وأوضح أن الحرب أوقفت تماما الاستثمار في البنية التحتية الحيوية، مثل النقل والطاقة والرعاية الصحية، مما فاقم من تدهور قدرة السودان على توليد حلول محلية مستدامة للتحديات الاقتصادية والتنموية. وقالت مجموعة “محامو الطوارئ” الحقوقية، إن المواجهات العسكرية المستمرة بين الجيش والدعم السريع تسببت في تدمير مصفاة الجيلي للبترول، المنشأة الوطنية الوحيدة لتكرير الوقود في السودان، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية وزيادة معاناة الشعب. وأوضحت المجموعة في بيان، يوم الخميس، أنه منذ أن سيطرت الدعم السريع على المصفاة في مايو 2023، عمدت إلى استغلالها بشكل ممنهج عبر إجبار العاملين على تشغيلها قسراً، واستخدام الوقود لدعم عملياتها العسكرية، إضافة إلى بيعه في السوق السوداء بمناطق مختلفة، مما يعكس استغلالاً واضحاً للموارد العامة بما يتعارض مع القوانين الوطنية والدولية. وأضافت أنه في المقابل، تعمد الجيش استهداف المنشأة بالقصف الجوي والمدفعي خلال فترات مختلفة من عام 2023، مما تسبب في أضرار كارثية شملت تعطيل وحدة التحكم الرئيسية وتوقف المحطة الأساسية لإنتاج البنزين بالكامل في يونيو 2023. مبينة ان هذا النهج التدميري استمر صباح الخميس، عندما قصف الجيش المستودع الوحيد المتبقي تحت سيطرة الدعم السريع، مما أدى إلى تدميره بالكامل. وحملت المجموعة الطرفين المسؤولية الكاملة عن هذا التدمير الممنهج الذي لا يقتصر أثره على البنية التحتية فقط، بل يمتد ليشكل انتهاكاً صريحاً للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعب السوداني. مداميك