منابر تسوية الحرب.. هل تنتقل لجنيف بداية من جدة؟!
تقرير – علم الدين عمر
منذ فجر الخامس عشر من أبريل من العام الماضي حين قررت مليشيا الدعم السريع وبغطاء خارجي ومباركة من بعض السياسيين والكيانات بالداخل الإستيلاء علي السلطة ووضع قادة الجيش السوداني قيد الإقامة الجبرية أو إغتيالهم كما صرح قائد التمرد محمد حمدان دقلو .. وما أن أفلتت خيوط اللعبة من أيدي القائمين عليهم عقب إستبسال ضباط ومنسوبي الحرس الرئاسي وصدهم للمؤامرة في ساعاتها الأولي شهدت الساحة تداخلاً كبيراً لعدد من المنابر الخارجية لوقف الحرب في السودان ..وكان الموقف الدائم لقادة الجيش السوداني يمضي في إتجاه تنفيذ بنود ما تم التوقيع عليه في منبر جدة الأول ..فما هو منبر جدة وما هي بنوده وترتيباته ..وكيف شكل هذا المنبر مأزقاً تاريخياً لمليشيات الدعم السريع وداعميها بالداخل والخارج ..وما هي المنابر التي قامت بعده ..ولماذا تعود كل الطاولات في نقطة معينة لساحل البحر الأحمر في جدة؟..
منبر جدة …
منبر جدة هو عبارة عن سلسلة محادثات بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الدعم السريع المتمردة برعاية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية حيث أنطلقت المفاوضات في السادس من مايو من العام السابق أي بعد أقل من شهر من بداية الحرب..وفي الثاني من يونيو من ذات العام أعلنت الدول الراعية عن تعليق المفوضات نتيجة الإنتهاكات الجسيمة للتهدئة المتفق عليها قبل إستئنافها في الخامس والعشرين من أكتوبر عقب توسع الصراع ليشمل إقليم دارفور وولايات كردفان وصرحت حينها وزارة الخارجية السعودية بأن المحادثات تهدف لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية ووقف إطلاق النار وتفعيل إجراءات بناء الثقة وفتح مسار للتوصل لوقف دائم لإطلاق النار مع إستبعاد القضايا ذات الطابع السياسي وتمت إضافة الهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد) والإتحاد الأفريقي إلي قائمة ميسري التفاوض وشهدت هذه الجولة إلتزام الجيش والمليشيا بإتخاذ خطوات لتسهيل زيادة المساعدات الإنسانية وتنفيذ إجراءات بناء الثقة..
جدة وورطة الإلتزام ..
ويصر قائد الجيش ورئيس المجلس السيادي علي ضرورة إلتزام مليشيا الدعم السريع بتنفيذ ماتم الإتفاق عليه في إعلان المبادئ العامة بجدة يوم الحادي عشر من مايو من العام الماضي بخروج الدعم السريع من الأعيان المدنية وبيوت المواطنين وإخلاء المناطق العسكرية التابعة للجيش لتستأنف المفاوضات من حيث أنتهت ..حيث يحتفظ الجيش بتساؤلات منطقية حول النقطة التي يمكن إستئناف المفاوضات منها في جدة أو أي منبر آخر ..ويري مراقبون أن تنفيذ مخرجات جدة هو المأزق الذي سيصعب جداً الخروج منه ما لم تلتزم مليشيا الدعم السريع بها ..
وقد ظلت مخرجات جدة في الحادي عشر من مايو هي النقطة التي يتمترس حولها الجيش والدولة السودانية منذ محاولات منظمة الإيقاد وإجتماعات الإتحاد الأفريقي حيث ينطلق هذا الموقف بحسب خبراء من إستراتيجية عسكرية بحتة مرتبطة يإستمرار مليشيا الدعم السريع في تهديد بنية الدولة والمجتمع السوداني إلي جانب إستمرار تدفق الدعم الخارجي لها دون تحرك إقليمي ودولي مباشر لإنهاء هذه الحالة في ظل إستمرار تقدم الجيش في القضاء علي الكتلة الصلبة لها وتحولها لمليشيات متفلتة بلا قيادة مركزية لها ..
وبإعلان الولايات المتحدة الأميركية عن منبر جنيف برعاية سعودية ومشاركة مصرية إماراتية تكون الساحة قد شهدت تقدم آخر للأحداث حيث يري البعض أن الولايات المتحدة تحاول إنهاء ملف الحرب بالسودان بين يدي الإنتخابات الأمريكية القادمة في نوفمبر القادم الأمر الذي يستبعده رئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني قائلاً: سيكون خطأ فادح إن أعتقد قادة الجيش أن إهتمام الولايات المتحدة وأجتهادها في حل الأزمة السودانية ليكسب الحزب الديموقراطي منها في إنتخابات نوفمبر بعد ثلاثة أشهر .
وكان المبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم بيرللو قد ذكر خلال برنامج تنوير علي منصة إكس أنه متفائل بمشاركة الجيش السوداني بمحادثات سويسرا مؤكداً إختلافها عن منبر جدة لوجود وسائل ضمان لتنفيذ ما يتم الإتفاق عليه وذلك بمشاركة دولة الإمارات ومصر والإتحاد الأفريقي والإيقاد فيما بدا كتطوير لمنبر جدة والمنابر الأخري ..ومضي بريللو للتأكيد علي عدم مشاركة الأحزاب السياسية والمجموعات المدنية في المباحثات لكونها مختصة بالمسار العسكري موضحاً قيامها تأسيساً علي إتفاق جدة الأمر الذي قد يساهم في تليين موقف قيادة الجيش تجاه المنبر ..
وأشار المبعوث لسعيه لزيارة بورتسودان قريباً مشدداً علي أن السياسة الأمريكية تجاه السودان تتمثل في إنهاء الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية وإستعادة المسار الديموقراطي ..ويقول الصحفي والكاتب السياسي مزمل أبوالقاسم أن المبعوث الأمريكي عليه أن يعلم حقيقة مهمة في ذلك مفادها أن تحقيق السلام يتطلب وجود وسطاء جادين تتوافر فيهم شروط الحياد وحسن النوايا والرغبة في تحقيق سلام عادل يلبي طموحات أهل السودان ويحترم سيادة الدولة وإستقلاليتها ويحمي السودانيين من بطش المليشيات المجرمة وتسآل مزمل هل لدي الإدارة الأمريكية تلك الشروط ..جازماً بأن الإجابة هي لا ..
إذاً هو إستمرار لمنابر متطاولة في المشهد السوداني منذ بدء الحرب ظلت دائماً تجابه بتعقيدات منذ بداية منبر جدة مروراً قمة إيقاد في كمبالا قبل أن يعلن السودان تجميد عضويته بها إحتجاجاً علي إنحيازها لدعم المليشيا ومن ثم أستضافت القاهرة محاولة جادة خلال مؤتمر القوي السياسية والمدنية السودانية في السادس من يوليو الماضي ..لتكون جنيف هي المحطة القادمة في الرابع عشر من أغسطس الجاري فهل تفلح الإدارة الأمريكية في إستقطاب وإقناع الإرادة السودانية بجدية المنبر وقدرته علي إلزام الدعم السريع بالتأسيس علي مبادئ جدة أم تستمر حالة الشد والجذب الحالية أسئلة تجيب عليها الأيام القليلة القادمة .