“تزايد الاضطرابات النفسية”.. لعنة الحرب
تقرير :رحمة عبدالمنعم
تسببت الحرب التي تدور رحاها في السودان منذ منتصف ابريل 2023م فى معاناة المواطنيين اقتصادياً ونفسياً، إذا يعاني 80٪ من اضطرابات نفسية نتيجة الحرب، وفق تقارير مراكز بحوث نفسية.
ووفق تقارير رسمية، فإن الإكتئاب يقف على راس قائمة الاضطرابات النفسية، بإلاضافة إلى القلق، الصدمة واضطرابات مابعد الصدمة والضغوط النفسية.
معدلات الإصابة
وقالت مراكز بحوث نفسية متخصصة “أفاق، هيلث بلس، السلام” في تقرير مشترك ، أن هناك عبئا كبيرا لاضطرابات الصحة النفسيةفي السودان، بسبب الصدمات الإجتماعية والإقتصادية التي نتجت عن الحرب، والمتمثلة في البطالة والفقر الحاد وعدم توفر الخدمات الطبية
وكشف التقرير الذي اعدته مراكز نفسية متخصصة، أن أكثر من 80٪ من سكان السودان عاشوا صدمات نفسية اثرت على استقرارهم النفسي، كما ان الأصابة بمتلازمة مابعد الصدمة في السودان هي الأعلي
وترى المراكز أن الحرب سبب رئيسي في تدهور الصحة النفسية للكثيرين في السودان، إضافة الى مشكلة النزوح وفقدان الأقرباء في الهجمات والاشتباكات المسلحة بين الجيش ومليشيات الدعم السريع، وتعتقد المراكز البحثية أن الحرب والتهجير وفقدان الاقرباء في الحرب الدائرة من أسباب شيوع هذه الأمراض
وفي ذات السياق، كشف وكيل وزارة الصحة الاتحادية، خليل محمد إبراهيم، عن تزايد حالات الإصابة بالأمراض النفسية في البلاد، معزيا أسباب التزايد إلى الظروف الاقتصادية على رأسها الحرب
وقالت مديرة إدارة الصحة النفسية بوزارة الصحة الاتحادية بالسودان الدكتورة هيام إبراهيم، إن الوزارة رصدت 7 حالات فقدان ذاكرة بسبب الصدمة بثلاثة مراكز إيواء بالشمالية، كما رصدت نوبات هلع وحالات اكتئاب ومحاولات انتحار بكسلا بشرق السودان، وسط توقعات بزيادة معدلات الإصابة بالاضطرابات النفسية وسط السودانيين بسبب الحرب
وذكرت الدكتورة هيام إبراهيم أن الاكتئاب يقف على رأس قائمة الاضطرابات النفسية لدى الكبار، بالإضافة إلى القلق، الصدمة، اضطرابات ما بعد الصدمة، والضغوط النفسية. هذا بخلاف الذين كانوا تحت العلاج من الاضطرابات النفسية قبل اندلاع الحرب
تقارير دولية
ووفقا لتقرير نشرته وكالة الأنباء الفرنسية فقد تزايدت حالات الإصابة بالأمراض النفسية في السودان بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة. وتفاقم الأمر أكثر بعد خروج مستشفى “التجاني الماحي” وهو المستشفى الرئيسي المخصص لرعاية المرضى النفسيين في الخرطوم عن الخدمة بعد الهجوم عليه وإخراج جميع المرضى فيه؛ إلى جانب تدمير أجهزته ومعامله ومخازن أدويته. وكان المستشفى يستقبل قبل تخريبه نحو 40 مريضا يوميا معظمهم من الشباب دون الثلاثين عاما.
وفي ظل تزايد الضغوط النفسية على السكان نتيجة الحرب؛ نشطت منظمات مجتمعية في تقديم العون النفسي للمتأثرين وذلك عبر فرق متخصصة في الطب النفسي. وتقوم تلك الفرق حاليا بزيارات منتظمة إلى الأحياء ومراكز الإيواء التي لجأ إليها المتأثرين في المدن الآمنة نسبيا.
وتعمل تلك الفرق بتنسيق مع المنظمات العالمية ومنظمات المجتمع المدني لتقديم الدعم النفسي للفئات المحتاجة القادمة من ولاية الخرطوم على وجه الخصوص؛ كما تقوم بتجهيز استبيانات للمساعدة في الكشف عن حالات الصدمات والتي من المتوقع حدوثها في ظل ظروف الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان المتمثلة في السرقة ودخول البيوت والابتزاز.
اضطرابات نفسية
وأصبح الاكتئاب الشبح الذي يؤرق حياة المجتمع السوداني، وخطره لا يقل عن الحرب التي تهدم الأخضر واليابس، وكذا خطر الاكتئاب الذي يهدم ويدمر الأجيال، ويقتل الأمل في النفوس، ويزرع الشك والحقد والحسد، هذا إذا ما عرفنا أن الحرب هي أحد الأسباب الرئيسية لزيادة الاكتئاب
ويقول الأخصائي النفسي، أحمد عبدالمنعم لـ”الكرامة”، إن من الأمور المسلَّم بها والبديهية التي يمكن أن نجزم بها، هي تزايد حالات الاكتئاب بشكل ملفت للنظر في أوساط المجتمع السوداني، بخاصة في الوقت الراهن، وما تمر به البلاد من حرب، فإذا ما تم النظر إلى الانتحار والعدوانية التي تعتبر من الأعراض المباشرة للاكتئاب، فهي خير دليل على زيادة نسبته في المجتمع، خصوصًا في أوساط الشباب والأطفال.
ويشير إلى زيادة نسبة الاكتئاب، نتيجة التوتر بسبب الإجهاد النفسي والعضوي المؤثر على الجهاز العصبي بشكل مباشر، وما نلاحظه من انتشار حالات ضغط الدم وأمراض القلب والذبحات الصدرية المنتشرة، نتيجة لزيادة الاكتئاب، بالإضافة إلى أن حالة العنف التي يعاني منها المجتمع، والمنتشرة بشكل كبير، دليل واضح وانعكاس مباشر لزيادة حالات الاكتئاب في المجتمع، فإذا ما تم النظر إلى حالات العنف الجنسي أو العنف اللفظي في الحرب، فإن أحد الأسباب الرئيسية لها هو الاكتئاب.
ويوضح أن للحرب دور كبير في تزايد الاكتئاب في أوساط السودانيين، فهناك الكثير من المآسي والصدمات التي حدثت خلال فترة الحرب، منها على سبيل المثال اغتيال أصدقاء مقربين، واختطاف آخرين وإخفاؤهم قسريًا، ثم اعتداءات تعرض لها كثيرون من قبل المليشيات، إلى جانب التواجد في مناطق جبهات الحرب
ويرى عبدالمنعم أن معظم السودانين يعانون من حالات نفسية ناجمة عن الظروف الصعبة التي يمرون بها، لعل من أهمها وأخطرها القلق والاكتئاب الذي يأتي في المرحلة الأولى باعتباره اضطرابًا نفسيًا مزاجيًا يؤثر على كافة النواحي النفسية الأخرى، وقد يتطور إلى هوس وهلوسة تكون سببًا مؤثرًا في التفكير السلبي
مأساة الاطفال
ولم يكن الأطفال بعيدين عن تلك المأساة الحاصلة في السودان، فهم أحد الفئات الأكثر تضررا من الناحية النفسية بسبب الحرب، فقد قامت مليشيات الدعم السريع بممارسة كل الانتهاكات الشنيعة بحقهم من قتل واختطاف واغتطاف وتجنيد، وما تزال تجند المئات منهم، وتزج بهم في معاركها.
وكشفت تقارير صادرة من منظمة”قيم لإغاثة الأطفال حول الآثار النفسية للحرب على الأطفال، أفادت أن 52٪ من الأطفال السودانيين ممن شملتهم الدراسة، ينتابهم الخوف الشديد، فيما يعاني 29% من قلق دائم واضطراب نفسي.
وخلال عام الحرب، تم الإفراج عن بعض الأطفال المعتقلين والمخفيين قسريا بعد مساوامة ذويهم ودفع فدية مالية ، لوحظ على العديد منهم إصابتهم بأمراض نفسية وعقلية مختلفة، فقد تعرض أكثر من 352طفلاً مختطفا للتعذيب الجسدي والنفسي الشديدين، في سجون ومعتقلات مليشيات الدعم السريع
وبحسب أطباء نفسيون، فإن هنالك أسبابا أخرى تجعل من الطفل أكثر عرضة للإصابة باضطرابات نفسية أثناء الحرب، مثل أن يكون قد تعرض لأحداث أو صدمات شديدة (من قبيل خسارة أفراد الأسرة المقربين أو سبل عيشه بأكملها، أو أن يكون قد شهد فظائع من قتل وتشويه)
استخدام المخدرات
وتقول الباحثة النفسية د. إسراء الحاج،لـ”الكرامة” إن آثار الحرب النفسية تتراوح من تأثيرات قصيرة الأمد إلى تأثيرات طويلة الأمد على الأفراد والمجتمعات، ومن بعض أبرز الآثار النفسية.اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): يعد من أكثر الآثار النفسية شيوعًا، حيث يعاني الأفراد من كوابيس متكررة، ذكريات مزعجة،ه وصعوبة في النوم أو التركيز.
وتضيف:يعاني الكثير من الأشخاص الذين عاشوا الحرب من مستويات عالية من القلق والاكتئاب، والتي يمكن أن تستمر لفترات طويلة بعد انتهاء الصراع، كما يصاب البعض باضطرابات النوم التي تشمل الأرق، الكوابيس، والاستيقاظ المتكرر بسبب ذكريات الصدمة.
وتابعت: يميل العديد من الناجين من الحرب إلى الانعزال عن المجتمع والأصدقاء نتيجة لتجاربهم الصادمة، ويمكن أن يؤدي التعرض للعنف والصدمات إلى تغيرات في السلوك، مثل العدوانية، التهيج، أو الانسحاب الاجتماعي.
واردفت إسراء :قد يعاني الأفراد من صعوبة في بناء أو الحفاظ على العلاقات الحميمة والصحية بسبب التأثيرات النفسية للحرب، كما يعاني البعض من شعور عميق بالذنب لكونهم نجوا من الحرب بينما فقد آخرون حياتهم أو عانوا بشكل أكبر، قائلةً : يمكن أن يلجأ البعض إلى استخدام المخدرات أو الكحول كوسيلة للتعامل مع الألم النفسي والتخفيف من حدة الصدمات.
واوضحت : الأطفال هم من الفئات الأكثر عرضة للتأثر، حيث يمكن أن تتسبب الحرب في اضطرابات نفسية خطيرة تؤثر على نموهم العاطفي والعقلي.