عبر وسائط الإعلام..!
“التغيير في السودان مثل قشرة موزٍ على سطحٍ صقيل، لا نلتَفتُ إليه إلا بعد السقوط، ولا نتحدّث عن شروعنا فيه إلا بعد تَحسُّس الكدمات وإحصاء الكسور” .. الكاتبة..!
خلال الشهر الذي سبق اندلاع هذه الحرب – وشهد آخر فعاليات منعطف الاتفاق الإطاري – تداولت وسائل الإعلام السودانية المقروءة مقالين مهمين، أحدهما كتبه د. الواثق كمير، وكان بعنوان “إلى الكوماندر عبد العزيز الحِلو: لمَّ لا تدعُ إلىّ تمرينٍ دستوريٍ”، والآخر كتبه القائد عبد العزيز آدم الحلو وكان بعنوان “رداً على الرسالة المفتوحة للدكتور الواثق كمير”..!
كنتُ من الكُتاب الذين عقَّبوا على مضمون المقالين في مداخلة خاصة – مكونة من عدة فقرات – أرسلتها إلى د. الواثق كمير، لكن الذي يعنينا منها في هذا المقام هو رأيي بشان بعض العبارات التي رجحتُ أن القائد عبد العزيز الحلو كان يريد أن يبعث من خلالها ببعض الرسائل إلى جهات أخرى، غير صاحب الرسالة المفتوحة، وعبر ذات الوسائط الإعلامية..!
استخدام وسائل الإعلام بمختلف فئاتها كوسائط لإيصال رسائل إلى جهات بعينها عادة مقيمة في السياسة السودانية، فضلاً عن حكايات التفاوض التي يستخدم فيها كل طرف ذات الوسائل للضغط على الطرف الآخر..!
ولعل من المفارقات الساخرة التي يحفظها تاريخ المفاوضات في بلادنا تلك العلاقة العكسية – أحياناً – بين تصاعد وتيرة التصريحات العدائية لوسائل الإعلام والتقدم الذي تشهده جولات التفاوض..!
إنه السودان الذي يقوم فيه بعض “الأعدقاء” في بعض المناسبات العائلية السعيدة بالإصرار على الحديث أمام “الحاجة سعاد” عن تجاوزهم لحظة تقديم صحون العشاء، فقط لأنهم يعلمون بأنها سوف تقوم بنشر أحاديثهم تلك على الملأ حتى تكاد أن ترتقيَ بها إلى مَراقي “البريكينق نيوز” في قروبات الواتس آب ..!
في لعبة الكراسي السياسية منذ الاستقلال عن المستعمر، مروراً بالانقلاب على “قحت” وانتهاءاً بتطورات هذه الحرب كانت هنالك دوماً صحون عشاء سياسية يتم تداول الاتهامات والدفوعات بشأنها، وكانت هنالك دوماً “وسائط إعلامية” تتولى مهمة نشر اتهامات هؤلاء حيناً والترويج لدفوعات أولئك أحياناً..!
عندما تفاقمت ظاهرة صراعات الأجنحة داخل حزب المؤتمر الوطني كثُر لجوء السياسيين إلى وسائط الإعلام لكسب المعارك ولتصفية الحسابات. واستمر السياسيون الذين كانوا معارضين ثم أصبحوا أصحاب مناصب – بعد الثورة – في إطلاع ذات الوسائط على تحديات عمليات توزيع صحون العشاء. حتى كادت الصحافة السودانية أن تتفرغ لنشر تصريحاتهم المثيرة للجدل المُفضي إلى الملل ..!
منذ اندلاع هذه الحرب اجتهدت وسائل الإعلام السودانية المساندة للجيش في الاضطلاع بدورها الحقيقي، فرصدت جرائم وانتهاكات المليشيا، واستقصت وكشفت ما كان مخبوءاً منها، واستعرضت مواقف الصمت والتواطؤ لجناحها السياسي، ووثقت لبطولات الضباط والعساكر والمستنفرين ..!
لكن يبقى دور وسائل الإعلام الوطنية أهم وأخطر، لأنها لا ينبغي أن ترصد الأحداث السياسية والإنجازات الوطنية فحسب، بل أن تشارك في صناعتها!.