“نحن محكومون بالأمل”..!
“بدلاً من إهدار الوقت في جمع الأوراق المتطايرة علينا أن نقوم بإغلاق النوافذ”.. فرانسيس بيكون..!
قبل سنوات سألني الزميل الأستاذ “عمار أبو شيبة” في إحدى حلقات برنامج “صباحات سودانية” – الذي كان يبث على قناة “سودانية ٢٤” – عن السبب في اختيار اسم هذا العمود “لماذا هناك فرق”..؟
فكانت الإجابة “لأنني أعتقد أن من أكبر مشكلاتنا في هذا السودان التساهل في إطلاق الأحكام وعدم الاهتمام بتحديد الفروقات الجوهرية بين الأشياء “المواقف، الأشخاص، القضايا.. إلخ..”، ولأنني أعتقد أننا عندما ننجح في معرفة كيف وكم أن هناك فرق بين هذا الشيء وذاك فإننا سوف نصل بسهولة إلي ثلاثة أرباح الحل في أي مشكلة..!
بعد اندلاع هذه الحرب أصبح كل من يدعم الجيش ويندد بجرائم وانتهاكات الدعم السريع هو من الكيزان أو الفلول الذين يدعمون استمرارها بحسب المناصرين لمليشيا الدعم السريع، بينما صار كل من يقول “لا للحرب” مشكوكاً في ولائه للجيش بحسب الإسلاميين الذين يقاتلون معه في معركة الكرامة..!
وهكذا صارت “لا للحرب” بحسب معظم المشاركين فيها من المشتبهات التي تقف بين الولاء البيِّن والخيانة البيِّنة. بينما يقول الواقع وتؤكد الوقائع – بعد مرور أكثر من عام على اندلاعها – بأن “لا للحرب” قد باتت اليوم لسان حال كل فئات الشعب السوداني “من ضحايا الانتهاكات والنازحين واللاجئين” إلا فئة قليلة ترى في “نعم للحرب” مصلحةً ما أو طريقاً ما نحو السلطة..!
مبادرة بعض رؤساء التحرير وحملة الأقلام في الصحف السودانية – الذين يدعمون الجيش – لإنهاء الحرب تمثل منعطفاً مهماً لدور قادة الرأي والعمل العام في هذه المحنة الوطنية الكبرى..!
إيمانويل كانط قال يوماً إن “الجرأة على البدء هي نصف المعركة”، وهذه المبادرة خطوة شجاعة تستحق الدعم وتحتاج المساندة لأنها تعول في نهوضها على الدعوة إلى وقف إطلاق نار دائم يؤسس لمرحلة انتقالية تأسيسية، والسعي بين الأطراف لتنفيذ مقررات اتفاق جدة، وتأسيس حوار سوداني سوداني لا يستثني أي جهة للاتفاق على الحد الأدنى من المشتركات الوطنية، ودعوة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني السودانية والمجتمع الدولي والإقليمي لدعم الحوار السوداني السوداني..!
وعليه فإن التفاف قادة الرأي العام – الذين يدعمون جيش الوطن في حربة ضد المليشيا – حول دعوة “لا للحرب” سيكون في مصلحة صورة الجيش نفسه في عيون المجتمع الدولي الذي يجتهد إعلام المليشيا في إيهامه بأنه جيش الكيزان..!
عندما كان عبد الله بن حذافة السهمي أسيراً لدى الروم فضَّل الموت على الثروة التي عرضها عليه القيصر مقابل أن يرتد عن الإسلام، لكنه رضي بأن يُقبِّل رأس ذات القيصر مقابل إطلاق سراح جميع أسرى المسلمين..!
فعل ذلك مع أن الموت كان الخيار الثاني في كلا الحالين، لكنه في الحال الأولى كان خياراً فردياً، بينما في الحال الثانية كان خياراً يتخذه بالإنابة عن جماعة..!
وهنا يكمن الفرق بين حرية المُكلَّف في استخدام الحق الخاص وتقَيُّدِه بالمسئولية الأخلاقية تجاه الحق العام!.