حقوق الإنسان في حرب السودان .. المدنيون يدفعون الثمن
وكالات
تقرير: رندا عبدالله“تفاجأت باقتحام عناصر الخلية الأمنية لمنزلي.. ثم وصفت بأقذع الألفاظ دون أي مقدمات.. وعند استفساري ماذا يجري صفعي أحدهم علي جهي” … وبعد دقائق عملت السيدة (رفاء 57 عاما) أنهم يبحثون عن (ابنتها ٢٢ عام) بتهمة التعاون مع الدعم السريع.. نقول رفاء لمداميك :” اقسمت لهم أني لم أدع ابنتي تغادر المنزل خوفا عليها منذ سيطرة الدعم السريع علي المنطقة” … ومع ذلك تم اعتقال (ابنة رفاء) وضربها بالسوط أمام المنزل بالرغم من شهادات الجيران التي في صالحها ..ثم أطلق سراحها بعد ثلاثة ساعات من الاعتقال والاذلال بواسطة جار لديه علاقة بالجيش بعد أن ثبت أن الاتهام ملفق برمته.تنهدت (رفاء) قائلة لمداميك :” وضح أن من قام بالتلفيق جارة لديها قضية ضدي امام المحكمة حول ملكية قطعة ارض” … وبحسرة أضافت :” المبكي ان الملفقة لا تزال مصدرا للاستخبارات ولا تزال تواصل تهديدي وابتزاز سكان الحي” … وتتساءل (رفاء) بقلق :” كم يا تري عدد من لفقت لهم بلاغات وليس لدهم جار في الاستخبارات العسكرية“. تزخر حرب السودان التي دخلت عامها الثالث بلا امل وشيك في وضع حد لها، بالعديد من القصص المؤلمة لضحايا مدنيين فقدوا إنسانيتهم جراء النزاع الدائر بين قوات الجيش والفصائل المتحالفة معها من جهة، وقوات الدعم السريع من الجهة الأخرى، وبين دوي المدافع والقصف الجوي قصص لمواطنين دفعوا ثمن القتال باهظا.تزايد الجدل حول سلامة وأمن شرائح واسعة من المجتمع السوداني، وبخاصة قاطني المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة مليشيا الدعم السريع قبل تحريرها من قبل القوات المسلحة، والنقطة المحورية في هذا الجدل تتعلق بوضعية الكثير من المواطنين المتهمين بموالاة التمرد ابان سيطرته علي مناطقهم، وفي البال قصص وحكايات لم ترو. وما ظهر منها علي السطح يبين حجم المـأساة.وفي السياق، تشهد وسائل التواصل الاجتماعي والنقاشات المجتمعية – بشكل لافت – قضية “تهمة التعاون مع التمرد” التي جري توجيهها لكثبر من المواطنين، غير ان أغلب هذه التهم تفتقر للأساس القانوني، وذلك عطفا علي ان محض وجود المواطنين في تلك المناطق لا يعد بينة كافية من الناحية القانونية لدمغهم بتهمة التعاون، ومؤخرا طفت على السطح عدة حالات..سارة عثمان، وهو اسم حركي لنازحة سودانية عاشت مع أسرتها الصغيرة بسلام بمنطقة أم درمان الواقعة غربي العاصمة الخرطوم، لجأت سارة للمنطقة برفقة زوجها بعد صمود لمدة طويلة اثناء الحرب، ورغم قسوة الأوضاع المعيشية والمخاطر والبعد عن الأهل والمنزل تحدثت سارة الينا من ملجئها بنبرة مليئة بأمل صادق، اذ تعتقد أنها خرجت بأخف الأضرار من الحرب تمثلت في تعرضها للإجهاض مرتين في امدرمان، ولكنها حاليا تتمنى أن يكون لجوؤهم إلى كينيا فرصة لمستقبل تعليمي افضل لأبنائها غير أنها كما يبدو لم تنس تجربة الإجهاض التى تعرضت لها هناك بعد، حيث تعرضت الى الامر خلال حديثها معنا وأبدت استغرابها من الأمر لكونها التزمت بجميع المحاذير الطبية ولم تتعرض إلى عامل يمكن أن يكون سببا في الإجهاض وأنهت حديثها معنا وهي تفسر الامر بتبرير بسيط اختصرته بعبارة “بكون من الحرب” لأن شقيقتها وزوجة أخيها تعرضتا لنفس التجربة فى نفس الفترة بحسب تعبيرها.ووفقا لعضو لجنة محامي الطوارئ، الأستاذة رحاب مبارك، فإن الحرب مسبب رئيسي لمثل هذه الحالات، ولهذا الامر ما يعززه من امثلة وليس وحدها حالة اللاجئة سارة وشقيقتها وزوجة اخيها فالحالات كثيرة.وكشفت رحاب في اعمال الجلسة رقم “60” لمجلس حقوق الإنسان عن تسجيل حالات إجهاض متعددة لدى النساء في مدينة نيالا “غربي السودان” بالإضافة إلى ولادة أطفال مشوهين بسبب التعرض للمواد الكيميائية.الثابت أن مآسي النساء لا تتوقف عند الإجهاض الذي بات من قائمة اخف الأضرار حاليا فقد أفادت التقارير الدولية والمحلية الحرب الحالية بأنها حربا موجهة ضد المدنيين بامتياز، وبطبيعة الحال فقد المدنيون خلالها ممتلكاتهم وحرموا من البقاء في منازلهم منذ بدايتها، كما تعرضوا لصنوف من العذاب والتنكيل والمصائب التي تمثلت في القتل والاعتقال والسرقة والاغتصاب وانتشار الامراض كنتيجة مباشرة للحرب.وأظهر تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ارتفاع كبير في أعداد القتلى المدنيين بمن فيهم من أعدموا بإجراءات موجزة، فضلا عن تصاعد العنف الاثني وتدهور الوضع الإنساني، ووثقت مفوضية حقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن “3384” مدنيا في سياق النزاع معظمهم في دارفور، تليها كردفان ثم الخرطوم، يمثل هذا الرقم نحو 80% من مجموع الضحايا المدنيين “4238” الذين تم توثيق مقتلهم خلال العام 2024 بأكمله، ويرجح أن يكون العدد الفعلي أعلى بكثير.وكان المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك: وصف “الصراع في السودان صراع منسي، وآمُل أن يسلّط تقرير مفوضيتنا الضوء على هذا الوضع الكارثي حيث تُرتكب فظائع، من بينها جرائم حرب”، معنبرا الهجمات التي تستهدف المدنيين وعمليات القتل العمد هي انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وللحق في الحياة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.